دعاء فك السحر

اللهم إنك قد أقدرت بعض خلقك علي السحر والشر -- ولكنك احتفظت لذاتك بإذن الضر -- فأعوذ بما احتفظت به من ما اقدرت عليه بحق قولك وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله

Translate

الأحد، 25 أغسطس 2024

ج1.الآثار النبوية (الطبعة الأولى) أحمد تيمور {من الاول الي آخر آثار القدم الشريفة على الأحجار}

 

الآثار النبوية (الطبعة الأولى) أحمد تيمور

   الآثار النبويَّة كتابٌ لِلباحث والمُحقِّق المصري أحمد تيمور باشا، حافلٌ بِبُحُوثٍ شتَّى في آثار الرسول ﷺ. نُشر أكثره بدايةً كأبحاثٍ في مجلَّة «الهداية الإسلاميَّة»، وتولَّى المُؤلِّف نفسه إدخال بعض الإصلاحات على النُسخ المطبوعة منها، وزاد في تعليقاته. صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب في سنة 1370هـ المُوافقة لِسنة 1951م، ونشرتها لجنة المُؤلَّفات التيموريَّة بعدما راجعت تصحيحات الكاتب لأُصُول البحث، وأضافت إليها ما عثرت عليه من تعليقاته ومُلاحظاته المُبعثرة. وكان هذا الكتاب آخر بُحُوث أحمد تيمور باشا قبل أن ينتقل لرحمة الله. الفهرست (غير مدرج في الأصل) الغلاف صورة المؤلف كلمة اللجنة مقدمة المؤلف القضيب والبردة المنبر والسرير والخاتم والعمامة والسيف الآثار النبوية في مصر آثار القدم الشريفة على الأحجار الآثار التي بالقسطنطينية الشعرات الشريفة الشعرات الباقية إلى اليوم العلم النبوي الركاب النبوي النعال النبوية الخاتمة الفهرس ========

 ====== مقدّمَة

  لم أقصد ببحثي هذا سرد ما دون عن الآثار الشريفة التي اختصّ بها محمد صلى الله عليه وسلم في حياته، وخلَّفها بعد انتقاله إلى الرّفيق الأعلى من سلاح ومراكب وثياب وآلات وغيرها، فإن في كتب السيرة من بيان ذلك ما يغني عن التحدث به إلى القراء، وإنما قصدت أن أحدثهم عن آثار اشتهرت نسبتها إليه صلى الله عليه وسلم وتداولها الناس بلا تمييز من غالبهم بين صحيحها وزائفها، لأبين ما حققه العلماء عنها. وسأبدأ بالقضيب والبردة لاشتهارها في الخلافة العباسية. ولله در العلامة الأديب صلاح الدين الصفدي حيث قال فيما صح من هذه الآثار: أكرم بآثار النبيّ محمـد من زاره استوفى السرورَ مَزارهُ يا عين دونك فانظري وتمتعي إن لم تَرَيْهِ فهذه آثاره واقتدى به جلال الدين ابن خطیب داريا الدمشقي فقال: يا عين إن بعـد الحبيب وَداره ونأت مرابعه وَشطّّ مزاره فلقد ظفرت من الزَّمانِ بطائل إن لم تريه فهـذه آثاره ======= القضيب والبردة أثران نبويان كانا من شارات الخلافة في الدولة العباسية، كما كان الخاتم من الشارات السلطانية في دول المغرب، والمظلة في الدولة الفاطمية على ما يقول «ابن خلدون»1. غير أن الخاتم والمظلة وغيرها من الشارات لم تكن لها قيمة أثرية كالشارة العباسية، ولا سيما في شرف النسبة إلى المقام النبوي الكريم، وإنما كانت آلات محدَثة في تلك الدول، قيمتها فيها كان بها من التحلية والترصيع. أما القضيب فالمروي في كتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له قضيب من شوحط يسمى الممشوق، قيل: وهو الذي كان الخلفاء يتداولونه. قال الإمام الماوردي في الأحكام السلطانية: «وأما القضيب فهو من تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي صدقة، وقد صار البردة من أشعار الخلافة». وكان الرسم أن يكون بيد الخليفة في المواكب2 جلوساً وركوباً. قال ابن كثير في تاريخه البداية والنهاية: «كان الخليفة يلبسها يوم العيد على كتفيه ويأخذ القضيب المنسوب إليه صلى الله عليه وسلم في إحدى يديه، فيخرج وعليه من السكينة والوقار ما يصدع القلوب ويبهر الأبصار» اهـ. وبلغ من عنايتهم بهذين الأثرين الشريفين أنهم كانوا كلما قام منهم خليفة اهتم بهما اهتمامه بالبيعة، فإذا كان غائباً بعثوا بهما إليه مع بشير الخلافة الذي يبردونه، وما زالت الشعراء تذكرها في مدائح الخلفاء العباسيين إلى انقراض دولتهم من العراق تنويهاً بانفرادهم عن سائر الدول بهذه المنقبة، كقول البحتري من قصيدة يصف فيها خروج المتوكل للصلاة والخطبة يوم عيد الفطر: أُيِّدْتَ من فصل الخطاب بحكمة تُنبي عن الحق المبين وتخبر ووقفت في برد النبي مذكراً بالله تُنذرُ تارةً وَتُبشِّر حتى لقد علم الجهول وأخلصت نفس المُرَوّى وَاهتدى المتحيّر3 وقوله من أُخرى فيه: وعليك من سيما النبـ ـيّ مخايل شهدت برشدك تبدو عليك إذا اشتملـ ـت ببردة من فوق بردك وقوله من أخرى فيه أيضاً: وغدوت في برد النبي وهديه تخشى لحكم قاصـد وَتُؤمَّل وقوله فيه أيضاً – وقد ذكر آثاراً أخرى كانت عند الخلفاء سنفرد الكلام عليها: يتولى النبيُّ ما تتولا ويرضى من سيرة ما تسير حزت ميراثهُ بحقٍّ مبين كل حق سواه إفْكٌ وزور فلك السيف والعامة والخا تم والبرد والعصا والسرير يريد بالعصا: القضيب، وقوله فيه أيضاً: عليك ثياب المصطفى وَوقاره وأنت به أولى إذا حصحص الأمر عمامته وسيفه ورداؤه وسيماه والهدى المشاكل والنجر وقال من قصيدة يمدح بها المعتز بن المتوكل، ويهجو المستعين بعد خلعه: ولم يكن المغترّ بالله إذ سَرى ليُعْجزَ والمعتزُّ بالله طالبُه رمى بالقضيب عنوة وهو صاغر وعُرّى من برد النبي مناكبه وذكر ابن خلّكان في وفياته عن ميمون بن هرون أنه قال: رأيت أبا جعفر أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري المؤرخ وحاله متماسكة فسألته فقال: كنت من جلساء المستعين فقصده الشعراء فقال: لست أقبل إلا ممن قال مثل قول البحتري في المتوكل: فلو أن مشتَاقاً تكلّفَ فوق مَا في وُسْعهِ لسعَى إليك المنبر فرجعت إلى داري وأتيته، وقلت له: قد قلت فيك أحسن مما قاله البحتري في المتوكل فقال: هاته! فأنشدته: ولو أن برد المصطفى إذّ لبسته يظن لظن البرد أنك صاحبه وقال وقد أَعطيتهُ وَلبسته نعم هذه أعطافه وَمنَاكبه فقال: أرجع إلى منزلك وافعل ما آمرك به، فرجعت فبعث إليَّ بسبعة آلاف دينار وقال: ادخر هذه للحوادث من بعدي، ولك عَلَيَّ الجراية الكفاية ما دمت حياً اهـ4. ومن ذلك قول الأبيوردي من قصيدة في المقتدي بالله: إلى المقتـدي بالله والمقتدى به طوين بنَا طيّ الرّداء الفيافيا وَلُذنا بأطراف القوافي وَحسبنَا من الفخر أن نهدي إليه القوافيا ولم نتكلف نظمهن لأننَا وَجـدنا المعالي فاخترعنا المعانيا أيا وَارث البرد المعظم ربَّه بلغنا المُنى حتى اقتسم التهانيا وقوله من قصيدة في المستظهر بن المقتدي: وعليه من سماء آل محمَّد نُورٌ يجيرُ عَلَى الدجى مرموق والبرد يعلم أن في أثنائه كرماً يفوق المزن وَهو دفوق أفضت إليه خـلافة نبوية من دونها للمشرفيّ بريق وقول الأرّجاني من قصيدة في المسترشد بن المستظهر: وَرثتَ الذي قد ضمة البرد من تقى ومن كرم من قبل أنْ ترث البردا ووليت من أمر5 القضيب شبيه ما تولاه من كان المشير به مجـدا وما هو إلا أمر أمته الذي إليك انتهى إذ كنت من بينها فردا وقوله من أخرى فيه: يا وارث البرد المجـرَّر ذيله في ليلة المعراج فوق الفرقد ومعـوداً يده التخصر بالذي أمسى به ظهر البراق وقد حدى سلبا هـدى عبق النبوة فيهما من كف خير الأنبياء محمد6 وقول سبط ابن التعاويذي من قصيدة في المستضيء بن المستنجد: إن يدَ المستضيء أسمح بالإعـ ـطاءِ يوم النَّدى من الديمَ خليفة الله وَارث البرد والخا تم والسيف مالك الأمم معيـد شمل الإسلام ملتئماً وكان لولاه غير ملتئم7 وقوله من أخرى فيه: آل النبوة بردها وَقضيبها لكم وَمنبرها معاً وَحُسامها أبناء عم المصطفى الهادي وخيـ ـر عصابة وطىء الثرى أقدامها وقوله من أخرى في الناصر بن المستضيء لما بويع بالخلافة: ورأينا برد النبي على منكـ ـب طود من الأئمة راسي مالئاً هديه المواقف من نو ر جلال يضيء كالنبراس وقوله من أخرى: ورث النبوة منبراً وَخلافة وَتقيَّة8 فعليه منها ميسم فلمنكب ولعاتق ولخنصر منه ثلاث قدرهن معظم برد وسيف لا يفل وَخاتم فمجلبٌ ومُقلد وَمختم وقوله من أخرى فيه: له خاتم المبعوث أحمد خاتم النـ ـبوة موروثاً السيف والبرد9 ومَا برحت طير الخلافة حُوَّماً عليه كما حام الظماء عَلَى الورد صفة البردة في الكلام على شعار الخلافة من صبح الأعشى نقلاً عن ابن الأثير أن بردة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان الخلفاء يلبسونها في المواكب كانت شملة مخططة، وقيل: كانت كساء أسود مربعاً فيها صغر اهـ. وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي: «أخرج الإمام أحمد في الزهد عن عروة ابن الزبير رضي الله عنه أن ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يخرج فيه للوفد رداء حضرمي طوله أربع أذرع وعرضه ذراعان وشبر، فهو عند الخلفاء قد خلق وطووه بثياب تلبس يوم الأضحى والفطر» اهـ. اختلافهم فيهـا لا خلاف بين المؤرخين في كون البردة العباسية أثراً نبوياً صحيحاً، ولكن لما كان المخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم بردتين اختلفوا في التي صارت منهما لبني العباس. قال الإمام الماوردي في الأحكام السلطانية: «وأما البردة فقد اختلف الناس فيها، فحكى أبان ابن ثعلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وهبها لكعب بن زهير واشتراها منه معاوية رضي الله عنه، وهي التي يلبسها الخلفاء. وحكى ضمرة ابن ربيعة أن هذه البردة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها أهل أيلة أماناً لهم، فأخذها منهم سعيد بن خالد بن أبي أوفى، وكان عاملاً عليهم من قبل مروان بن محمد، فبعث بها إليه وكانت في خزائنه حتى أخذت بعد قتله. وقيل اشتراها أبو العباس السفاح بثلثمائة دينار» اهـ. وقد حُكي هذا الخلاف في صبح الأعشى وتاريخ الخلفاء للسيوطي وأخبار الدول للقرماني وحاشية البغدادي على شرح ابن هشام على بانت سعاد. وتفصيل هذا الإجمال في الرأي الأول: أن كعب بن زهير بن أبي سلمى رضي الله عنه لما بلغه إسلام أخيه بخير غضب وبعث إليه بأبيات يلومه فيها على إسلامه، فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه. ثم هداه الله إلى الإسلام فقدم المدينة وقصد المسجد فجلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم تائباً مسلماً وأنشده قصيدته بانت سعاد المشهورة، فلما وصل إلى قوله: إن الرسولَ لسيف يُستضَاء به مهنَّد من سيوف الله مسلول رمى صلى الله عليه وسلم إليه بردة كانت عليه10، فلما كان زمن معاوية رضي الله عنه أراد شراءها من كعب بعشرة آلاف درهم، فأرسل إليه يقول: ما كنت أوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً. فلما مات كعب اشتراها معاوية من أولاده بعشرين ألف درهم. قالوا: وهي التي عند الخلفاء العباسيين، وهو قول عز الدين بن الأثير في كتابيه: الكامل وأسد الغابة، والخوارزمي في مفاتيح العلوم، وابن هشام في شرح بانت سعاد، وأبي الفداء سلطان حماة في تاريخه، وابن حجر في الإصابة، ومؤرخين غيرهم كثيرين. ولم يذكر ابن كثير في تاريخه البداية والنهاية غير الرأي الثاني فقال: وقال الحافظ البيهقي: وأما البردة التي عند الخلفاء فقد روينا عن محمد ابن إسحق بن يسار في قصة تبوك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى أهل أيلة بردة مع كتابه الذي كتب لهم أماناً لهم، فاشتراها أبو العباس عبد الله بن محمد بثلثمائة دينار، يعني بذلك أول خلفاء بني العباس، وهو السفاح رحمه الله تعالى. وقد توارث بنو العباس هذه البردة خلفاً وهو قول الذهبي أيضاً على ما في تاريخ الخلفاء للسيوطي ونص عبارته: «وأما الذهبي فقال في تاريخه: أما البردة التي عند الخلفاء آل عباس فقد قال يونس بن بكير عن ابن إسحق في قصة غزوة تبوك: إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أهل أيلة بردة مع كتابه الذي كتب لهم أماناً لهم، فاشتراها أبو العباس السفاح بثلثمائة دينار». قال السيوطي: فكأن التي اشتراها معاوية فقدت عند زوال دولة بني أمية. وقال القرماني: وقيل كُفن فيها معاوية، وذكر ياقوت هذه البردة في معجم البلدان ولم يتعرض لخبر انتقالها إلى الخلفاء فقال في كلامه على أيلة : «ويقال إن بها برد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان وهبه ليُحنَّة بن رؤية11 لما سار إليه إلى تبوك». وكذلك فعل المقريزي في خططه والجزيري في درر الفرائد المنظمة في ذكرها أيلة فإنهما لم يتعرضا لخبر انتقال هذه البردة إلى الخلفاء. وخلاصة ما ذكراه أن من بها من اليهود يزعمون أن عندهم برد النبي صلى الله عليه وسلم الذي وجه به إليهم أماناً لهم، وأنهم يظهرونه رداء عدنياً ملفوفاً في الثياب، وقد أبرز منه مقدار شبر لئلا تدنسه الأيدي. والخلاصة: أن البردة العباسية إما أن تكون بردة أيلة بقيت عند أهلها إلى أن اشتراها السفاح بثلثمائة دينار، أو إلى أن انتزعها منهم عامل مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين وحملها إليه، ثم صارت من بعده للعباسيين. وإما أن تكون البردة الكعبية التي اشتراها معاوية رضي الله عنه، ثم حفظت عند بني أمية حتى ورثها منهم العباسيون. وأكثر المؤرخين على هذا الرأي. وقد فصل المسعودي في مروج الذهب خبر مصير البردة والقضيب إلى بني العباس بما لم نره لغيره من المؤرخين، فذكر ما كان من فرار مروان بن محمد من العباسيين إلى مصر، وأنهم لحقوه بها، وقد نزل بوصير فهجموا عليه وقتلوه، ثم رأوا خادماً له شاهراً سيفه يحاول الدخول إلى بناته، فأخذوه وسألوه عن أمره، فقال: أمرني مروان إذا هو قتل أن أضرب رقاب بناته ونسائه، فلا تقتلوني فإنكم والله إن قتلتموني ليفقدن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا له: انظر ما تقول، قال: إن كذبت فاقتلوني، هلموا فاتبعوني. ففعلوا فأخرجهم من القرية إلى موضع رمل فقال: اكشفوا هنا فكشفوا فإذا البرد والقضيب ومِخْصرة12 قد دفنها مروان لئلا تصل إلى بني هاشم، فوجه بها عامر بن إسمعيل إلى عبد الله بن علي، فوجه بها عبد الله إلى أبي العباس السفاح، فتداولت ذلك خلفاء بني العباس. مصير البردة والقضيب ذكر ابن الزيات في الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة بالقرافتين الكبرى والصغرى قبراً اشتهر بأنه قبر صاحب البردة، واستطرد في الكلام عليه لذكر البردة النبوية فقال: «قال ابن عثمان هو صاحب البردة يعني بردة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك غير صحيح، قال المؤلف: وبردة النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغنا في آثار النبي صلى الله عليه وسلم التي دخلوا بها إلى مصر أن فيها بردة غير البردة التي في أيدى بني العباس، وهي موجودة عندهم إلى الآن، ولم يذكر علماء التاريخ أنه دخل إلى مصر من الصحابة ممن له بردة من اسمه صاحب البردة، وآثار النبي صلى الله عليه وسلم مثبتة عند العلماء، ويحتمل أن تكون هذه البردة بردة رجل من الصالحين» اهـ. وإنما نقلنا هذه العبارة لبيان ما فيها من الوهم، فإن وفاة ابن الزيات كانت سنة ٨١٤، وقوله عن البردة: «وهي موجودة عندهم إلى الآن» يفيد بقاءها بأيديهم إلى عصره، والصحيح أنها فقدت قبل ذلك بقرن ونيف. ولعله نقل هذا القول عن مؤرخ قديم كانت البردة في زمنه عند الخلفاء، وسها عن التنبيه عليه. وقال المسعودي بعد عبارته المتقدمة في مصير البردة والقضيب إلى العباسيين ما نصه: «فتداولت ذلك خلفاء بني العباس إلى أيام المقتدر، فيقال: إن البرد كان عليه يوم مقتله، ولست أدري أكلّ ذلك باق مع المتقي لله إلى هذا الوقت وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة في نزوله الرَّقة أم قد ضيع ذلك». وفى صبح الأعشى: «وكان القضيب والبردة المتقدما الذكر عند خلفاء بني العباس ببغداد إلى أن انتزعهما السلطان سنجر السلجوقي13 من المسترشد بالله ثم أعادها إلى المقتفي عند ولايته سنة خمس وثلاثين وخمسمائة. والذي يظهر أنهما بقيا14 عندهم إلى انقضاء الخلافة من بغداد سنة ست وخمسين وستمائة، فإن مقدار ما بينهما مائة وإحدى وعشرون سنة، وهي مدة قريبة بالنسبة إلى ما تقدم من مدتهما». وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي عن البردة: «وكانت على المقتدر حين قتل وتلوثت بالدم، وأظن أنها فقدت في فتنة التتار. فإنا لله وإنا إليه راجعون». وفي خزانة الأدب للبغدادي عن كعب بن زهير: «فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم وأجازه بردته الشريفة التي بيعت بالثمن الجزيل، حتى بيعت في أيام المنصور الخليفة بمبلغ أربعين ألف درهم15، وبقيت في خزائن بني العباس إلى أن وصل المغول16 وجرى ما جرى والله أعلم بحقيقة الحال». قلت: والذي يؤيد بقاء البردة والقضيب عند الخلفاء إلى آخر مدتهم ببغداد ورود ذكرهما فيما تقدم من مدائح الشعراء إلى زمن الناصر بن المستضيء وذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء عن ابن الساعي أنه حضر مبايعة الخليفة الظاهر وهو ابن الناصر المذكور فرآه بثياب بيض والبردة النبوية على كتفه، وكانت خلافته سنة ٦٢٢ في أواخر أيام دولتهم ببغداد، ولم يكن بعده غير خليفتين المستنصر والمستعصم، ثم كانت كائنة التتار وانتقلت الخلافة العباسية الصورية إلى مصر، وقد صرح القرماني في موضعين من تاريخه أخبار الدول بمصير البردة والقضيب، فذكر أن هلاكو17 لما طرق بجيوشه بغداد سنة ٦٥٦ أشار وزير الخلافة مؤيد الدين العلقمي على الخليفة المستعصم بالخروج إليه ومصالحته، فخرج إليه في جمع من العلماء والأعيان، والبردة النبوية على كتفيه والقضيب بيده، فأخذها منه هلاكو وجعلهما في طبق من نحاس وأحرقهما وذر رمادها في دجلة، وقال: ما أحرقتهما استهانة بهما وإنما أحرقتهما تطهيراً لها. اهـ، ثم أمر بقتل جميع من خرج إليه فقتلوا، ووضع الخليفة وولده في جُوالقين وضربا بالأرازب ومداق الجص حتى ماتا. وفى هذه الكائنة التي لم ينكب الإسلام بمثلها يقول ابن خلدون: ونزل هلاكو بغداد وخرج إليه الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي فاستأمن لنفسه ورجع بالأمان إلى المستعصم وأنه يبقيه على خلافته كما فعل بملك بلاد الروم، فخرج المستعصم ومعه الفقهاء والأعيان، فقبض عليه لوقته وقتل جميع من كان معه، ثم قتل المستعصم شدخاً بالعمد ووطأ بالأقدام لتجافيه بزعمه عن دماء أهل البيت وذلك سنة ست وخمسين، وركب إلى بغداد فاستباحها واتصل العبث بها أياماً، وخرج النساء والصبيان وعلى رؤوسهم المصاحف والألواح فداستهم العساكر وماتوا أجمعين. ويقال إن الذي أحصي ذلك اليوم من القتلى ألف ألف وستمائة ألف18. واستولوا من قصور الخلافة وذخائرها على ما لا يبلغه الوصف ولا يحصره الضبط والعد، وألقيت كتب العلم التي كانت بخزائنهم جميعا في دجلة، وكانت شيئاً لا يعبر عنه مقابلة في زعمهم بما فعله المسلمون لأول الفتح في كتب الفرس وعلومهم» اهـ كلام ابن خلدون. (تنبیه) روى القرماني في أخبار الدول خبر البردة الكعبية وبقائها عند بني العباس إلى أن أحرقها هلاكو مع القضيب كما مر، ثم حكى قول وزعم أن التي كانت عندهم بردة أيلة لا بردة كعب، وأعقب هذا القول بقوله: «وأظن أنها البردة التي وصلت لسلاطين آل عثمان، فهي اليوم عندهم يتباركون بها ويسقون ماءها لمن به ألم فيبرأ بإذن الله، واتخذ لها المرحوم السلطان مراد خان تغمده الله بالرحمة والغفران صندوقاً من ذهب زنته19 مثقال فوضعها فيه تعظيماً لها» . اهـ. ولا يخفى أن بني العباس لم يكن عندهم غير بردة واحدة أحرفها هلاكو سواء كانت بردة كعب أو بردة أيلة. والذي ظنه المؤلف لا يتجه إلا بتقدير جمعهم بين البردتين وانتقال الأيلية إلى بني عثمان بعد إحراق هلاكو للكعبية، وهو شيء لم يقل به ولم ينقله فيما نقله من الأقوال حتى يصح له بناء ظنه عليه. وسيأتي الكلام على ما كان عند بني عثمان من الآثار في فصل خاص. المراد هنا بالخاتم حلية الإصبع المعروفة، وكانوا يستجيدون صوغه من الذهب ويرصعونه بفصوص الجواهر واليواقيت ويلبسـه السلطان شارة في عرفهم. أما المظـلة فلم ينفرد بها الفاطميون، بل كان يشاركهم فيها ملوك الدول الأعجمية بالمشرق كبني سلجوق وغيرهم تقليداً لملوك الصين، وإنما اشتهر الفاطميون بمظلتهم لأنها كانت أبدع المظلات وأكثرها زخرفاً وترصيعاً. كان من آلات المواكب في الخلافة الفاطمية بمصر قضيب سماه صاحب صبح الأعشى بقضيب الملك وقال إنه «عود طوله شبر ونصف ملبس بالذهب المرصع بالدر والجوهر يكون بيد الخليفة في المواكب العظام» انتهى. وكأنهم أرادوا به محاكاة شعار العباسيين، وشتان ما بين التكحل والكحل. هذه القصيدة من أجود شعر البحتري ولكن قضى عليها سوء الحظ أن يختارها اليسوعيون لكتابهم مجاني الأدب (ج ٥ ص ١٦١ طبع سنة ١٨٨٤م) فيغيروا فيها ما شاء لهم الهوى أن يغيروه، فإنهم لما ذكروا قوله في وصف احتشاد الناس والجند وخروج الخليفة عليهم في ذهابه إلى المصلى: فالخيل تصهل والفوارس تدعى والبيض تلمع والأسـنة تزهر والأرض خاشعة تميد بثقلها والجو معتكر الجوانب أغبر والشمس ماتعـة توقد بالضـحى طوراً ويطفئها العجاج الأكدر حتى طلعت بضوء وجهك فانجلت تلك الدجى وانجاب ذاك العثير وافتن فيك الناظرون فإصبع يومى إليك بها وعين تنظر يجدون رؤيتك التي فازوا بها من أنعم الله التي لا تكفر ذكروا بطلعتك النبي فهللوا لما طلعت من الصفوف وكبروا عز عليهم أن يذكر سيد الخلق عليه الصلاة والسلام ويذكر معه خليفته وابن عمه فجعلوا صدر هذا البيت (ذكروا بطلعتك الرشيد فهللوا) ولما وصلوا إلى بيت البردة جعلوه (ووقفت في برد الخطيب مذكراً) فليتنبه لذلك، فإن كثيرين من النشء يثقون بكتبهم، فيقعون فيها حرفوه وبدّلوه. أورد عبد الرحيم العباسي البيتين والقصة ببعض اختصار في نوع الغلو من التنصيص، ومثله في فوات الوفيات لابن شاكر. كذا في نسخة مخطوطة عتيقة عندنا من ديوانه. والذي في المطبوعة (ملك) عولنا فيها على ما في النسخة العتيقة لأنها أصح من للطبوعة. يشير بذلك إلى زوال الدولة الفاطمية في زمن المستضيء، وإعادة الخطبة لبني العباس بمصر والشام والحجاز واليمن وبرقة. كذا في نسختين من ديوانه إحداها مخطوطة. أي له الخاتم موروثاً مع السيف والبرد من النبي المبعوث خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام قال البغدادي في حاشيته على شرح ابن هشام على بانت سعاد: «ولهذا تسمت هذه القصيدة قصيدة البردة. وقد سمى الناس قصيدة البوصيري بقصيدة البردة تشبهاً بها للتبرك، والصواب تسميتها بالبرءة بالهمز لبرء ناظمها من الفالج». يحنة بضم الياء وفتح الحاء المهملة ثم نون مشددة مفتوحة ثم تاء وهو صاحب أيلة، ورؤبة بالباء الموحدة. في النسختين الباريسية والبولاقية من مروج الذهب (ومخصر) بغير تاء. سنجر بن ملکشاه السلجوقي سلطان خراسان وغزنة وما وراء النهر. ولد سنة ٤٧٩ وتوفى سنة ٥٥٢ بمرو ودفن بها وهو بكسر السين وسكون النون وفتح الجيم. وسبب تسميته بذلك أنه ولد بمدينة سنجار فسماه والده بذلك أخذاً من اسم المدينة. والسلجوقي بفتح السين وسكون اللام وضم الجيم وسكون الواو وبعدها قاف، نسبة لجده الأعلى سلجوق بن دقاق (بضم الدال المهملة وبين القافين ألف وقد يقال تقاق بالتاء). في الأصل (أنها بقيت). المعروف أن الذي اشترى البردة الكعبية معاوية رضي الله عنه، والذي اشترى البردة الأيلية أبو العباس السفاح في قول كما تقدم، فذكر البغدادي المنصور سهو منه. والله أعلم. المغول بضمتين قوم هلاكو، وقد يقال المغل بلا واو. وهم من القبائل التورانية ويعدهم بعض المؤرخين من التتار، والأكثرون على أنهما جنسان متقاربان، وإنما غلب التعبير عنهم بالتتار في التواريخ العربية لأنهم استخدموا في غزوهم بلاد الإسلام كثيراً من التتار في جيوشهم. هلاكو بضم الهاء وتخفيف اللام وضم الكاف وقد يقال هولاكو بواو بعد الهاء: أول الملوك الإيلخانية بفارس. وهو ابن تولي خان ابن طاغية المغول الأكبر جنكيز خان أرسله أخوه منكوقاآن ملك المغول إلى فارس ففتحها وتولى أمرها ثم استولى على العراق وكان منه ما كان إلى أن هلك بالمراغة سنة ٦٦٣ كما في التواريخ التركية وتاريخ ابن الفرات. والذي في المنهل الصافي سنة ٦٦٤. وقال ابن خلدون سنة ٦٦٢. أعاد ابن خلدون خبر هذه الكائنة في كلامه على دولة بني هلاكو فقال: إن عدد القتلى كان «ألف ألف وثلاثمائة ألف». والذي يذكره مؤرخو الترك مع تشيعهم لهلاكو وإحسانهم الظن به أن عدد الذين قتلهم في هذه الوقعة أهل بغداد البالغين خاصة بلغ ٨٠٠ ألف نسمة. فإذا ضممنا إليهم قتلى الجيش المجموع من المملكة العراقية الذي أباده قبل أن يصل إلى أهل بغداد ثم قتلى الصبيان غير البالغين الذين داستهم سنابك الخيل وعلى رؤوسهم المصاحف والألواح ظهر لنا أن عبارة ابن خلدون التي صدرها بكلمة (ويقال) ليست بعيدة عن الصواب. بياض بمقدار كلة في النسخ الثلاث التي عندنا من هذا التاريخ. -------------------------------- المنبر والسرير والخاتم والعمامة والسيف تقدم في مدائح الشعراء للخلفاء العباسيين ذكر آثار نبوية كانت في حيازتهم غير القضيب والبردة، وهي المنبر والسرير والخاتم والعمامة والسيف. وإلى القراء الكرام ما وقفنا عليه وما ظهر لنا فيها: أما المنبر: فالثابت المحقق أن منبره صلى الله عليه وسلم الذي كان يخطب عليه لم ينقل من مسجده، وإنما كان معاوية رضي الله عنه أراد نقله إلى الشام، وكتب بذلك إلى مروان بن الحكم عامله بالمدينة، فلما اقتلعه كثر لغط الناس فحشى الفتنة وزاد فيه درجاً ورده، وقال: إنما اقتلعته لأزيد فيه. فبقي في مكانه حتى احترق باحتراق المسجد سنة ٦٥٤. فالمراد أن بني العباس ورثوه وهو في مكانه لا أنه نقل إليهم بالعراق كغيره من الآثار التي نقلت إليهم. وقد كان لاحتراق هذا الأثر النبوي وقع أليم في نفوس المسلمين ولا سيما عند ساكني المدينة وزائريها لما فاتهم من لمس رمانته التي كان صلى الله عليه وسلم يضع يده المباركة عليها ولمس موضع قدميه الشريفتين. وأما السرير: فلم يكن له صلى الله عليه وسلم سرير كالذي للملوك يجلس عليه للحكم فيكون من بعده للخلفاء، وإنما كان له سرير ينام عليه قوائمه من ساج بعث به إليه أسعد بن زرارة. وفي سيرة ابن سيد الناس أن الناس من بعده كانوا يحملون عليه موتاهم تبركاً به. وقال البرهان الحلبي في حاشيته على هذه السيرة1: «قوله وكان له سرير ينام عليه، قال السهيلي في أول النصف الثاني من روضه2: وكان سريره صلى الله عليه وسلم خشبات مشدودة بالليف بيعت في زمن بني أمية فاشتراها رجل بأربعة آلاف درهم. قاله ابن قتيبة، اهـ. فيحتمل أن السرير المذكور هنا غير ما ذكره المؤلف، وذلك لأن المؤلف قال فيه هنا: فكان الناس يحملون عليه موتاهم تبركاً. ويحتمل أنه هو، وهو الظاهر، والله أعلم». ا هـ. قلت: وهو منقطع الخبر بعد ذلك في التاريخ، ولم أقف فيه على غير ما ذكرت، فليحقق أمره. وأما الخاتم: فإن الذي كان يلبسه صلى الله عليه وسلم ويختم به من بعده عند كتبه إلى الملوك ونقش عليه (محمد رسول الله) كان من بعده عند الصديق ثم عند الفاروق رضي الله عنهما، فلما كانت خلافة ذي النورين عثمان رضي الله عنه سقط من يده في بئر أريس بالمدينة والتمسوه فلم يجدوه فاغتم لذلك غماً شديداً وتطير منه واتخذ له خاتماً على مثاله نقش عليه «محمد رسول الله» فكان يختم أو يتختم به، ثم اتخذ الخلفاء من بعده خواتيم لكل خاتم نقش يخصه إلى انقراض الخلافة من بغداد على ما أجمع عليه المؤرخون. غير أن المحكيّ في كتب السيرة من اختلاف الروايات في صفة الخاتم حمل ابن سيد الناس على أن يقول في سيرته باحتمال أن تكون خواتم متعددة. قلت: وعلى هذا فيحتمل أن يكون أحدها وصل إلى بني العباس فحفظوه تبركاً به وتشرفاً، وإن كان لكل خليفة منهم خاتم يختم به، عليه نقش يخصه. وأما العمامة: فهي المسماة بالسحاب، وكان صلى الله عليه وسلم وهبها لعلي عليه السلام، ثم صارت بعد ذلك لبني العباس، وصرح باسمها البحتري في قوله في المهتدي بالله: غدا المهتدي بالله والغيث ملحق بأخلاقه أو داخل في عدادها إمام إذا أمضى الأمور تتباعت على سنن من قصدها وسدادها متى يتعمم بالسحاب تلث على كفي لها محتاز إرث اسودادها قال أبو العلاء المعري في عبث الوليد عن هذا البيت: «المعنى أن بني العباس كان عندهم برد النبي وعمامته وأصحاب الأخبار يروون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمي عمامته السحاب، وكذلك رووا أسماء للآلة التي كان يستعملها، فزعموا أن مقصه كان يسمى «الجامع» وقضيباً كان له يأخذه في يده: الممشوق، وكان له قدح من خشب يسمى النسعة3 فيما ذكروا، ونحو هذه الأشياء» ا.هـ. وأما السيف: فالمراد به ذو الفقار4 وهو سيف كان للعاص ابن منبه السهمي الذي قتل كافراً يوم بدر، فغنمه النبي صلى الله عليه وسلم وكان لا يفارقه في حرب من حروبه، وسمي بذلك لحزوز مثل فقرات الظهر كانت في وسطه، وكانت قائمته وقبيعته وحلقته وعلاقته من فضة، وملخص ما ذكره ابن خلكان وابن الأثير عن وصوله إلى بني العباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان وهبه لعلي عليه السلام ثم صار لبنيه، وكان مع محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه لما خرج بالمدينة على أبي جعفر المنصور، فلما رمي بسهم في قتاله مع جند المنصور وأيقن بالموت أعطاه لرجل من التجار كان له عليه أربعمائة دينار، وقال: خذه فإنك لا تلقى أحداً من آل أبي طالب إلا أخذه وأعطاك حقك، فلما ولي جعفر بن سليمان العباسي على المدينة اشتراه منه بأربعمائة دينار، ثم أخذه منه المهدي، ثم صار من بعده للهادي ثم للرشيد، ورآه الأصمعي وهو متقلد به بطوس فقال: يا أصمعي ألا أريك ذا الفقار؟ قال: فقلت بلى، جعلني الله فداك. قال: فاستل سيفي هذا. فاستللته فرأيت فيه ثماني عشرة فقارة، ويروي أن الرشيد أعطاه ليزيد بن مزيد لما خرج لقتال الوليد بن طريف. ا.هـ. وإذا صح هذا فلا ريب في أن الخلفاء استردوه منه أو من ورثته؛ لأنه كان بعد ذلك عند المعتز بن المتوكل وذكره البحتري في قوله من قصيدة يمدحه بها: وقد ترك العباس عندك وابنه على فتن مرمى النجم حيث تحيرا هما وَرّثاك ذا الفقار وصيرا إليك القضيب والرداء ثم صار من بعده للمهتدي بالله وفيه يقول البحتري أيضاً من قصيدة: وإن يتقلد ذا الفقار يضف إلى شجاع قريش في الوغي وجوداها وفي خبر آخر رواه المقريزي في خططه أن ذا الفقار وصمصامة5 عمرو بن معدي كرب الزبيدي وسيف الإمام الحسين عليه السلام ودرقة حمزة بن عبد المطلب وسيف جعفر الصادق (رضي الله عنهما) وسيوفاً أخرى لبعض الخلفاء الفاطميين كانت بخزانة السلاح الفاطمية بمصر، ثم نهبت وقسمت على الأمراء الذين ثاروا على المستنصر الفاطمي كبني حمدان وشاور وغيرهم. ا.هـ. فإن صح أن ذا الفقار كان منها كما ذكر فيحتمل أن يكون وصل إلى الفاطميين بالشراء من بعض تجار العراق بعذر من المهتدي، كما يحتمل أن يكون عاد إلى العباسيين بعد نهب خزانة السلاح الفاطمية. والله سبحانه وتعالى أعلم. =================== اسمها عيون الأثر في فنون المنازي والسير للحافظ محمد بن محمد اليعمري الشهير بابن سيد الناس المتوفى سنة ٧٣٤. وهي من أجود ما كتب في السيرة النبوية، واختصرها مؤلفها في جزء صغير سماه نور العيون في مسيرة الأمين المأمون. وعلى الأصل حاشية اسمها النبراس على سيرة ابن سيد الناس للحافظ برهان الدين إبراهيم الحلبي الشهير بالبرهان الحلبي وبسبط ابن العجمي المتوفى سنة ٨٤١. هو الروض الأنف للامام العلامة عبد الرحمن السهيلي المتوفى سنة ٥٨١ وهو شرح على السيرة النبوية لابن هشام، وقد طبع بمصر سنة ١٣٣٢ في جزءين. عبارة الحافظ مغلطاي في سيرته: «وقعب يسمى النسعة». بفتح أوله وكسره. الصمصامة بكسر فسكون ويقال: الصمصام أيضاً بلا تاء في آخره، سيف قاطع مشهور له أخبار يطول ذكرها وكان لعمرو بن معدي كرب الزبيدي، وذكره بعض أصحاب السير فيما صار إلى النبي صلى الله عليه وسلم من السيوف، والأكثرون على أن عَمراً أهداه إلى خالد بن سعيد بن العاص ثم وصل بعد ذلك إلى المهدي العباسي ثم صار لابنه الهادي ثم للرشيد، وفي الكامل لابن الأثير ما يدل على بقائه عندهم إلى زمن الواثق، وفي أخبار المتوكل أنه كان عنده فدفعه إلى باغر التركي فقتله باغر به لما غدر به الأتراك. قال ابن نباتة في سرح العيون: ومن عند باغر انقطع خبره. قلت: ثم انتقل بعد ذلك إلى الفاطميين بمصر حتى نهبت خزانة سلاحهم على ما ذكره المقريزي إن صح أنه كان بهذه الخزانة. [22] [23] [24] [25] =========== الآثار النبوية في مصر بمصر آثار نبوية مشهورة محفوظة في حجرة خاصة بالمسجد الحسيني بالقاهرة تقصد بالزيارة في أيام معلومة، ولهذه الآثار الشريفة أخبار تتسلسل في التواريخ، وتنتقل بالباحث من زمن إلى زمن ومن مكان إلى مكان، حتى تصل به إلى مستقرها المحفوظة به الآن، وأول ما عرف عنها أنها كانت عند بنى إبراهيم ينبع، واستفاض أنها بقيت موروثة عندهم من الواحد إلى الواحد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اشتراها في القرن السابع أحد بني حِنَّا1 الوزراء الأماثل ونقلها إلى مصر وبنى لها رباطاً على النيل عرف برباط الآثار، وهو المعروف الآن بجامع أثر النبي، وفي هذا الرباط يقول المقريزي في خططه ما نصه: رباط الآثار: هذا الرباط خارج مصر بالقرب من بركة الحبش مطل على النيل ومجاور للبستان المعروف بالمعشوق، قال ابن المتوج: هذا الرباط عمره الصاحب تاج الدين محمد ابن الصاحب فخر الدين محمد ولد الصاحب بهاء الدين علي ابن حِنا بجوار بستان المعشوق، ومات رحمه الله قبل تكملته، ووصى أن يكمل من ريع بستان المعشوق فإذا كملت عمارته يوقف عليه، ووصى الفقيه عز الدين بن مسكين فعمر فيه شيئاً يسيراً وأدركه الموت إلى رحمة الله تعالى، وشرع الصاحب ناصر الدين محمد ولد الصاحب تاج الدين في تكملته فعمر فيه شيئا جيداً. انتهى. وإنما قيل له رباط الآثار لأن فيه قطعة خشب وحديد يقال إن ذلك من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتراها الصاحب تاج الدين المذكور بمبلغ ستين ألف درهم فضة من بني إبراهيم أهل ينبع، وذكروا أنها لم تزل عندهم موروثة من واحد إلى آخر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملها إلى هذا الرباط وهي به إلى اليوم يتبرك الناس بها ويعتقدون النفع بها، وأدركنا لهذا الرباط بهجة وللناس فيه اجتماعات ولسكانه عدة منافع ممن يتردد إليه أيام كان ماء النيل تحته دائماً، فلما انحسر الماء من تجاهه2 وحدثت المحن من سنة ست وثماني مائة قل تردد الناس إليه وفيه إلى اليوم بقية، ولما كانت أيام الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد قلاوون قرر فيه درساً للفقهاء الشافعية وجعل له مدرساً وعنده عدة من الطلبة ولهم جار في كل شهر من وقف وقفه عليهم وهو باق أيضاً، وفي أيام الظاهر برقوق وقف قطعة أرض لعمل الجسر المتصل بالرباط، وبهذا الرباط خزانة كتب وهو عامر بأهله». ا.هـ. وقد رأينا قبل التعرض لما ذكره غيره من الرباط والآثار أن نأتي على ما لابد منه في هذا البحث من التعريف ببانيه فنقول: التعريف بباني الرباط: هو سليل بيت الوزارة والسؤدد والوجاهة والعلم الوزير الصاحب تاج الدين محمد ابن الصاحب فخر الدين محمد ابن الوزير الصاحب بهاء الدين علي بن محمد بن سليم بن حنا، ولد سنة ٦٤٠ وسمع من سبط السلفي وحدث وكان له شعر جيد وانتهت إليه رئاسة عصره وكان صاحب صيانة وسؤدد ومكارم وشاكلة حسنة وبزة فاخرة وتناه في المطعم والملبس والمسكن، ونال في الدنيا من العز والجاه ما لم ينله جده الصاحب الكبير بهاء الدين بحيث إنه لما تقلد الصاحب فخر الدين ابن الخليلي الوزارة سار من القلعة وعليه التشريف إلى داره وقبل يده وجلس بين يديه ثم انصرف إلى داره، وما زال الصاحب تاج الدين على هذا القدر من العز إلى أن تقلد الوزارة سنة ٦٩٣ فلم ينجب وتوقفت الأحوال في أيامه فصرف سنة ٦٩٤ وأعيد إلى الوزارة مرة ثانية فلم ينجح فعزل، وكانت وفاته سنة ٧٠٧ ودفن في مقابر بني حنا بالقرافة. (وولد والده) الصاحب فخر الدين محمد بن بهاء الدين علي سنة ٦٢٢ وناب عن والده في الوزارة وولي ديوان الأحباش ووزارة الصحبة في أيام الظاهر بيبرس، وسمع الحديث بالقاهرة وكان له شعر جيد ودرس بمدرسة والده المسماة بالصاحبية البهائية التي كانت بمصر القديمة إلى أن توفي في حياة والده سنة ٦٦٨ فدرس بها بعده ولده، وتوارث بنو حنا ولاية نظرها وتدريسها إلى أن عطلت وخربت ثم هدمها بعد ذلك الأمير تاج الدين الشوبكيّ والي القاهرة ومصر سنة ٨١٨، ولما دُلي الصاحب فخر الدين في لحده قام الإمام محمد بن سعيد البوصيري ناظم البردة وأنشد في الجمع المحتشد بمقبرة بني حِنَّا: نم هنيئاً محمد بن علي بجميل قدمت بين يديكا لم تزل عوننا على الدهر حتى غلبتنا يد المنون عليكما أنت أحسنت في الحياة إلينا أحسن الله في الممات إليكا فبكى الناس. وكان لها محل كبير ممن حضر. (وأما جده) فهو الوزير الصاحب بهاء الدين علي بن محمد ولد بمصر سنة ٦٠٣ وتقلبت به الأحوال في كتابة الدواوين إلى أن ولي المناصب الجليلة واشتهرت كفايته فاستوزره السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري سنة ٦٥٩ وفوض إليه تدبير المملكة فقام بأعبائها وتصرف في أمورها بحزم وعزم وعفة عن الأموال، حتى إنه لم يكن يقبل من أحد هدية إلا أن تكون هدية فقير أو شيخ معتقد يتبرك بما يصل من أثره، وكان يستعين على ما التزم به من المبرات بالمتاجر، ولما مات الظاهر بيبرس أقره ولده الملك السعيد بركة على ما كان عليه مدة والده، وكانت وفاته سنة ٦٧٧ قال المقريزي: وزرئ بفقد ولديه الصاحب فخر الدين والصاحب زين الدين فعوضه الله عنهما بأولادهما، فما منهم إلا نجيب رئيس فاضل مذكور. عود إلى الرباط والآثار: تقدم في عبارة المقريزي تسميته برباط الآثار وهو اسمه المشهور الذي رأيناه مذكوراً به في كل ما وقفنا عليه من كتب التاريخ، وسماه ابن دقاق في كتابه الانتصار لواسطة عقد الأمصار بالرباط الصاحبي التاجي نسبة إلى بانيه الصاحب تاج الدين ونقل عبارة ابن المتوج التي نقلها المقريزي عنه ثم بيَّن ما به من الآثار بقوله: «قلت: وهو مسجد الآثار الشريفة اشتراها الصاحب تاج الدين من الشريف 3 بمبلغ مائتين وخمسين ألف درهم وجعلها في خزانة في هذا الرباط وهي قطعة من العنزة4 وقطعة من القصعة ومرود وملقط ومخصف ووقف على هذا المكان بستان المعشوق». ثم قال بعد ما ذكر ما وقفه الأشرف شعبان عَلَى هذا الرباط: «قلت: ذكرت مرة مسجد الآثار عند الشيخ الإمام العالم برهان الدين إبراهيم بن زُقَّاعة الغزي5 في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة فقال لي: إني استنبطت من القرآن آية في حق الآثار وهي قوله تعالى: ﴿فَٱنظُرْ إِلَىٰٓ ءَاثَٰرِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ﴾ وقرئت آثار6 فأثر رحمة الله هو المطر ومدد النيل منه والمكان مطل على النيل وآثار رحمة الله هي آثار النبي صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَٰلَمِينَ﴾ ولا يجتمع الأثر والآثار في سائر الدنيا إلا بمصر خاصة، فهذا أعظم فخر لها». واستطرد ابن كثير في البداية والنهاية لذكر بعض هذه الآثار في كلامه عما ورد في المكحلة النبوية فقال: «وبلغني أن بالديار المصرية مزاراً فيه أشياء كثيرة من آثار النبي صلى الله عليه وسلم اعتنى بجمعها بعض الوزراء المتأخرين فمن ذلك مكحلة وميل ومشط وغير ذلك، والله أعلم». وذكر القلقشندي في صبح الأعشى الرباط والآثار في كلامه على الربط التي بالفسطاط بعبارة مختصرة قال فيها: «وأما الخوانق7 والربط فلم تعهد بالفسطاط، غير أن الصاحب بهاء الدين بن حنا عَمر رباط الآثار الشريفة النبوية بظاهر قبلي الفسطاط واشترى الآثار الشريفة، وهي ميل من نحاس وملقط من حديد وقطعة من العنزة وقطعة من القصعة بجملة مال وأثبتها بالاستفاضة وجعلها بهذا الرباط للزيارة». ا.هـ. وقد وهم في قوله بهاء الدين لأن باني الرباط ومشتري الآثار حفيده تاج الدين كما قدمنا وهو ما أجمع عليه المؤرخون. والظاهر أن الذي أوقعه في ذلك ما اشتهر من نسبة الرباط إلى أحد بني حنا، فذهب ظنه وقت كتابة هذه الجملة إلى أكبرهم وأولهم في الشهرة وهو بهاء الدين سهواً منه، وجل من لا يسهو، وقلده في هذا الوهم ابن إياس8 بقوله في حوادث تولي الظاهر بيبرس على مصر سنة ٦٥٨ ما نصه: «واستقر بالصاحب بهاء الدين بن حنا وزيراً بالديار المصرية. أقول: والصاحب بهاء الدين بن حنا هذا هو الذي بنى مكان الآثار النبوية المطل على بحر النيل واشترى الآثار الشريفة بجملة كبيرة من المال وأودعها في ذلك المكان الذي أنشأه على بحر النيل وصارت الناس يقصدون ذلك المكان بسبب الزيارة في كل يوم أربعاء» ا.هـ. غير أنه أفادنا أن زيارة هذه الآثار كانت في تلك العصور كل يوم أربعاء. وذكره البرهان الحلبي في حاشيته المسماة نور النبراس على سيرة ابن سيد الناس، فقال: «وفي آخر مصر مكان على النيل مبنى محكم البنيان وله طاقات مطلة على النيل ومكان ينزل إليه وبركة من ماء النيل ومطهرة بماء النيل، وفيه خزانة من خشب وعليها عدة ستور الواحد فوق الآخر وداخل الخزانة علبة صغيرة من جوز فيها من الآثار الشريفة قطعة من قصعة وقطعة من العنزة وميل من نحاس أصفر ومخصف صغير وملقط صغير لإخراج الشوك من الرجل أو غيرها، وقد زرناه غير مرة، وهو مكان مليح في غاية النزاهة وما بعده إلا بساتين، وقد زرناه مرة فرآني الإمام جلال الدين ابن خطيب داريا الدمشقي بسوق كتب القاهرة، فسألني: أين كنتم؟ قلت: زرنا الآثار وكان معنا بعض الأدباء. فقال: هل نظم أحد في ذلك شيئاً؟ فقلت: لا. فقال: أنا زرته من أيام وكتبت فيه بيتين، فأنشدني ذلك، وهما: يا عين إن بعد الحبيب وداره ونأت مرابعه وشطَّ مزاره فلك الهنا فلقد ظفرت بطائل إن لم تريه فهذه آثاره عنها انتهى كلام البرهان الحلبي ونقلناه من حاشيته المذكورة، وقد نقله أيضًا العلامة المَّقريّ في فتح المتعال باختلاف يسير في بعض الألفاظ. ولما وصل ابن بطوطة الرحالة الشهير إلى مصر في أوائل القرن الثامن وأراد الخروج من القاهرة إلى الصعيد للحج مر بهذا الرباط ونزل به ليلة ووصفه في رحلته بقوله: «ثم كان سفري من مصر عن طريق الصعيد برسم الحجاز الشريف، فبت ليلة خروجي بالرباط الذي بناه الصاحب تاج الدين بن حنا بدير الطين9 وهو رباط عظيم بناه على مفاخر عظيمة وآثار كريمة أودعها فيه وهي قطعة من قصعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والميل الذي كان يكتحل به والدّرَفش10 وهو الإشفي الذي كان يخصف به نعله، ومصحف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي بخط يده رضي الله عنه، ويقال إن الصاحب اشترى ما ذكرناه من الآثار الكريمة النبوية بمائة ألف درهم، وبنى الرباط وجعل فيه الطعام للوارد والصادر والجراية لخدام تلك الآثار الشريفة. نفعه الله تعالى بقصده المبارك» اهـ. فائدة: إنما خرج ابن بطوطة إلى الصعيد لأنه أراد أن يسلك في حجه طريق صحراء عيذاب، كما سلكها قبله ابن جبير في القرن السادس، فلم يتيسر له الحج منها كما تيسر لابن جبير لفتنة كانت قائمة بعيذاب منعته من ركوب البحر منها إلى جدة، فعاد أدراجه إلى القاهرة، وقد أقام حجاج مصر والمغرب زيادة عن مائتي سنة يسافرون إلى الحجاز من هذه الطريق فكانوا يركبون السفن في النيل من ساحل الفسطاط إلى قوص، ثم يعبرون هذه الصحراء عَلَى الإبل إلى عيذاب (بكسر العين المهملة أو فتحها) وهي بلدة عَلَى بحر القُلزم المسمى الآن بالبحر الأحمر، ثم يركبون منها إلى جُدّة سفناً تسمى الجلاب وواحدتها جلبة، وكذلك تجار الهند واليمن والحبشة كانوا يردون مصر بمتاجرهم من هذه الطريق، ولم تزل مسلكاً للحجاج في ذهابهم وإيابهم من سنة بضع وخمسين وأربعمائة إلى سنة بضع وستين وستمائة، وذلك منذ الشدة العظيمة زمن المستنصر الفاطمي وانقطاع الحج في البر إلى أن كسا الظاهر بيبرس الكعبة وأخرج قافلة الحاج في البر من الطريق القديمة المسلوكة إلى أيلة وغيرها، فقل سلوك الحجاج لهذه الصحراء واستمرت المتاجر تحمل فيها حتى بطل ذلك بعد سنة ٧٦٠، وكان أمر هذه الجلاب غريباً لأن ألواحها لم تكن تضم بالمسامير كما في سائر السفن، بل كانت تخاط بأمراس تفتل من قشر جوز الهند المسمى بالنرجيل وتعمل لها قلوع من حصر منسوجة من خوص شجر المقل وهو الدوم، وقد فصَّلنا الكلام عليها في رسالة لنا في السفن الإسلامية وأسمائها، أعاننا الله على إتمامها. عود إلى رباط الآثار: وذكره السيوطي في حسن المحاضرة بما نصه: «رباط الآثار بالقرب من بركة الحبش عمره الصاحب تاج الدين ابن الصاحب فخر الدين ابن الصاحب بهاء الدين ابن حِنَّا وفيه قطعة خشب وحديد وأشياء أخر من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتراها الصاحب المذكور بمبلغ ستين ألف درهم فضة من بني إبراهيم أهل ينبع، ذكروا أنها لم تزل موروثة عندهم من واحد إلى واحد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحملها إلى هذا الرباط، وهي به إلى اليوم يتبرك بها». انتهى. ولم يزل هذا الرباط عامراً مأهولًا بالمصلين والزوّار، حتى تبدلت الدول واختلت الأحوال، فنقلت منه الآثار الشريفة خوفاً عليها من السراق، وتغيرت معالمه بتجديد بنائه، والذي وقفنا عليه من ذلك، تجديده زمن إبراهيم باشا الدفتردار المتولي عَلَى مصر سنة ١٠٧١، كما في تراجم الصواعق في واقعة الصناجق11 ففيه أنه لما عزل وأنزلوه من القلعة صلى الجمعة يوم ١٢ شوال سنة ١٠٧٣ في مسجد أثر النبي الذي بمصر القديمة، وكان وسعه وجدده وبنى تحته رصيفاً لدفع ماء النيل عن بنائه، ورتب له مائة عثماني، وأرصد له طيناً، وعين به قراء ووظائف وحراساً قاطنين به وشرط النظر لمن يلي أغاوية اليكيجرية بمصر. وذكر الجبرتي في حوادث رجب من سنة ١٢٢٤ ما نصه: «وفيه تقيد الخواجة محمود حسن بزرجان باشا بعمارة القصر والمسجد الذي يعرف بالآثار النبوية، فعمرها عَلَى وضعها القديم، وقد كان آل إلى الخراب» اهـ. قلت: والراجح أنه البناء الباقي إلى اليوم، ولم يزل هذا المسجد مقام الشعائر والصلوات مقصوداً بالزيارة على قلة، لحجر فيه يزعمون أن عليه أثر قدمه صلى الله عليه وسلم، وليس بصحيح، وسيأتي كلامنا عليه وعلى ما يماثله من الأحجار في تتمة ملحقة بهذا الفصل، وأما القصر الذي ذكره الجبرتي فقد زال، وبجوار المسجد الآن بعض أطلال ماثلة لعلها من بقاياه. نقل الآثار الشريفة إلى قبة الغوري تولى السلطان الملك الأشرف قانصوه الغوري عَلَى المملكة المصرية سنة ٩٠٦ وقتل بمرج دابق شمالي حلب في قتاله مع السلطان سليم العثماني سنة ٩٢٢، وهو الذي بنى المدرسة المعروفة الآن بجامع الغوري عن يمين السالك بشارع الغورية إلى باب زويلة، وبنى أمامها عن يسار السالك القبة المنسوبة إليه ليدفن بها فلم يقدر له ذلك، وفقدت جثته تحت سنابك الخيل فدفن في الحظيرة المكشوفة لهذه القبة قريبه السلطان الأشرف طومان باي آخر ملوك الجراكسة بمصر الذي تولى بعده وقتله السلطان سليم سنة ٩٢٣، ودفن بها أيضًا على ما في ابن إياس خوندخان تكن مستولدة السلطان الغوري المتوفاة سنة ٩٢٢ مع أولادها، ونقل علي مبارك باشا في خططه عن النزهة السنية في أخبار الخلفاء والملوك المصرية لحسن بن حسين المعروف بابن الطولوني، أن السلطان الغوري بنى هذه القبة للآثار النبوية وللمصحف العثماني الذي أضافه إليها، ونص عبارته: «وقد جدد مولانا السلطان عز نصره للمصحف العثماني الذي بمصر المحروسة بخط مشهد الحسين (رضي الله عنه) جلداً بعد أن آل جلده الواقي له إلى التلف والعدم ولمكثه من زمن سيدنا عثمان إلى يومنا هذا، فألهم الله تعالى مولانا المقام الشريف خلد الله ملكه بطلبه إلى حضرته بالقلعة الشريفة، ورسم بعمل هذا الجلد المعظم المتناهي في عمله لاكتساب أجره وثوابه؛ وأن يعمل له وقاية من الخشب المنقوش بالذهب والفضة وأنواع التحسين، وبرز أمره الشريف بعمارة قبة معظمة تجاه المدرسة الشريفة التي أنشأها بخُط الشرابيشيين بين سوق الجملون وسوق الخُشَيْبَة12 بمباشرة الجناب العالي الأمير تاني بك الخازندار وناظر الحسبة الشريفة وما معها، وأن تكون القبة المعظمة المأمور بعملها إن شاء الله تعالى مناظرة في الحُسن والإتقان لما سبق، كما رتبها بنظره الشريف ليكون فيها ما خصّها الله تعالى به من تعظيمها بالمصحف الشريف العثماني والآثار الشريفة النبوية وغير ذلك من مصاحف وربعات». اهـ. قلت: المصحف المذكور المنسوب لذي النورين عثمان رضي الله عنه هو الذي كان بمدرسة القاضي الفاضل التي كانت بدرب ملوخية13 المعروف الآن بدرب القزازين قرب المشهد الحسيني، وقد زالت هذه المدرسة وعفا أثرها، وكانت بها خزانة كتب عديمة النظير تجمع على ما قيل مائة ألف مجلد، ذكر المقريزي أنها تفرقت ولم يبق منها غير هذا المصحف الذي تسميه الناس مصحف عثمان بن عفان، وقد استطرد العلامة القسطلاني في المناقب التي ألفها للإمام الشاطبي ناظم الشاطبية لذكر هذا المصحف في كلامه عَلَى تولي هذا الإمام الإقراء بهذه المدرسة، فنقل عبارة المقريزي في وصفه، ثم ذكر نقله إلى قبة الغوري مع الآثار النبوية، بعد أن ذكر تشتت كتب هذه الخزانة، فقال: «ولم يبق منها إلا المصحف الكبير المكتوب بالخط الأول الكوفي المعروف بمصحف عثمان بن عفان، ويقال: إن القاضي الفاضل اشتراه بنيف وثلاثين ألف دينار، على أنه مصحف أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان في خزانة مفردة بجانب المحراب من غربيه، وعليه جلالة ومهابة، ولم يزل بها حتى خرب ما حول المدرسة المذكورة، وآل أمرها إلى التلاشي، فنقله السلطان الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري أجرى الله تعالى على يده الخيرات، وختم أعماله بالصالحات، كما نقل الآثار النبوية لاستيلاء السراق على القاطنين بمحلها، وعدم الأمن وخوف الضياع، إلى القبة التي أنشأها تجاه مدرسته الشريفة بقرب الأقباعيين14 داخل باب داخل باب زويلة والخرق15 من القاهرة المعزية». انتهى. أما كون هذه الآثار التي ذكر ابن الطولوني والقسطلاني نقلها إلى القبة هي عين الآثار التي كانت بالرباط، فقد صرح به الشيخ شمس الدين محمد بن أبي السرور البكري في الكواكب السائرة في أخبار مصر والقاهرة، فقال في الباب الذي عقده لتعداد ما اختصت به مصر وأهلها من الفضائل ما نصه: «الحادي عشر اختصاصهم بوضع الآثار الشريفة النبوية بأرضهم وبلادهم، وهي قطعة من العَنَزة ومرود ومخصف وقطعة من القصعة، وضمَّ إليها أشياء من آثار الأولياء. قيل: إن الصاحب تاج الدين بن حِنا اشترى هذه الآثار الشريفة بستين ألف درهم، وجعلها في مكان بالمعشوق بالروضة16 على شاطئ النيل معروف، وقد نقل ذلك السلطان الغوري إلى مدفنه بالقاهرة. والله أعلم». فيعلم من هذا أن الآثار الشريفة نقلت من رباطها إلى هذه القبة في أيام الغوري أي في أوائل القرن العاشر، غير أننا لم نقف فيما بأيدينا من النصوص على تعيين السنة التي نقلت فيها، ويغلب على الظن أنها مذكورة في المدة الضائعة من تاريخ ابن إياس المطبوع بمصر، وهي من أثناء سنة ٩٠٦، إلى آخر سنة ٩٢١، أما قول ابن إياس في حوادث جمادى الثانية من سنة ٩٢٣، عن السلطان سليم: «وفيه أشيع أن السلطان سليم شاه نزل في مركب وتوجه نحو الآثار الشريفة، فقام عليه ريح عاصف فانقلبت به المركب في البحر فكاد أن يغرق وأغمي عليه وما بقي من موته شيء، وقيل: إنه كان سكران لا يعي، فكان في أجله فسحة حتى عاش إلى اليوم». فلا يؤخذ منه أن الآثار كانت باقية بالرباط إلى هذا العهد، بعد ما ثبت نقلها قبل ذلك زمن الغوري، وإنما مراده أنه ذهب للتنزه إلى الجهة المعروفة بذلك، لأن المسجد بقي معروفاً بالآثار بعد نقلها منه. نقلها إلى المسجد الحسيني ظلت هذه الآثار الشريفة محفوظة بقبة الغوري مدة ثلاثة قرون ونيف إلى سنة ١٢٧٥هـ، ولا تخلو التواريخ من ذكرها في هذه المرة خلال الحوادث، فمما وقفنا عليه من ذلك قول ابن إياس في حوادث سنة ٩٢٦، حينما توقف النيل عن الوفاء في ولاية ملك الأمراء خير بك على مصر. «فلما كان يوم الأحد سادس رمضان نزل ملك الأمراء وتوجه إلى المقياس وكان قد مضى من مسرى ستة وعشرون يوماً، فأقام ملك الأمراء في المقياس ذلك اليوم، وفرقوا أجزاء الربعة على الحاضرين من الفقهاء، فقرءوا فيها عشرين دوراً، ثم قرءوا صحيح البخاري هناك، وأشيع أن ملك الأمراء فرق هناك على الفقهاء ما لا له صورة وأحضر الأطفال الأيتام وفرق عليهم مبلغاً له صورة وأحضر من الآثار الشريفة القميص من المدرسة الغورية17 ووضعه في فسقية المقياس وغسلوه في الماء الذي بها، وكثر هناك الضجيج والبكاء والتضرع إلى الله تعالى بالزيادة». وذكر الجبرتي في حوادث ربيع الأول من سنة ١٢٠٣ ما نصه: «وفي عاشره أخبر بعض الناس قاضي العسكر أن بمدفن السلطان الغوري بداخل خزانة في القبة آثار النبي صلى الله عليه وسلم، وهي قطعة من قميصه وقطعة عصا وميل، فأحضر مباشر الوقف وطلب منه إحضار تلك الآثار وعمل لها صندوقاً ووضعها في داخل بقجة وضمَّخَها بالطيب ووضعها عَلَى كرسي ورفعها عَلَى رأس بعض الأتباع وركب القاضي والنائب وصحبته بعض المتعميين مشاة بين يديه يجهرون بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى وصلوا بها إلى المدفن ووضعوها في داخل الصندوق ورفعوها في مكانها بالخزانة». ثم رئي نقلها من هذه القبة فنقلت منها سنة ١٢٧٥هـ، ذكر عصريّنا الفاضل السيد محمود الببلاوي شيخ المسجد الحسيني والمتولي الآن شيخاً على المسجد الزينبي في (التاريخ الحسيني) أنه سمع من شيوخ ثقات كبراء أنها نقلت من القبة إلى المسجد الزينبي، ثم نقلت بموكب حافل إلى خزانة الأمتعة بالقلعة، ثم نقلت منها سنة ١٣٠٤هـ إلى ديوان الأوقاف، وفي سنة ١٣٠٥هـ نقلت إلى قصر عابدين مقرّ الخديو، ومنه نقلت في السنة المذكورة إلى المسجد الحسيني. ولما عزم الخديو محمد توفيق باشا عَلَى نقلها تلك السنة أمر أن تتخذ لها خزانة بالحافظ الشرقي في المسجد الحسيني، ثم استجلبها من ديوان الأوقاف إلى قصر عابدين، وأمر أن تحفظ في شقق من الديباج الأخضر مطرزّة بسلوك الفضة المذهبة، قيل: إن زوجته الأميرة المعظمة أمينة بنت الأمير إلهامي باشا ابن والي مصر عباس باشا الكبير، تولت تطريزها بيدها تعظيماً وإجلالاً لتلك الآثار، ثم احتفل بنقلها من القصر إلى المسجد يوم الخميس الخامس والعشرين من جمادى الثانية من السنة المذكورة في موكب فخم لم تشهد مصر مثله، مشى فيه نحو ثلاثين ألف نسمة على أقدامهم، واحتشد لرؤيته على جانبي الطريق نحو مائتي ألف وكان الخديو دعا في ذلك اليوم العلماء والأعيان إلى القصر للمسير في الموكب، وأمر أن يسير فيه جميع مستخدمي الدواوين، وكانت الآثار الشريفة ملفوفة في خمس شقق من الديباج مرفوعة عَلَى أسرّة في بهو الاستقبال الكبير وحولها مجامر البخور، فلما تم توافد المدعوين استدعى الخديو إلى مجلسه قاضي مصر والشيخ الأكبر محمداً الأنبابي شيخ الأزهر والشيخ محمداً البنَّاء المفتي ومن كبار العلماء الشيخ محمداً المهدي العباسي، وكان وقتئذ معزولاً عن الأزهر والإفتاء، ومن أبناء البيوت القديمة السيد عبد الباقي البكري نقيب الأشراف وشيخ الصوفية، والسيد عبد الخالق السادات سليل بني وفا، ثم حمل الخديو على يديه إحدى هذه الودائع الكريمة، وأشار إلى أخيه الأمير حسين كامل باشا، والغازي أحمد مختار باشا المندوب السلطاني العالي، ومحمد ثابت باشا رئيس الديوان الخديوي، ومحمد رءوف باشا ناظر الأوقاف، بحمل الأربع الباقية، فحملوها وخرجوا جميعاً إلى سلم القصر المشرف عَلَى ميدان عابدين، فتقدم السيد عبد الباقي البكري وتسلم الوديعة التي يحملها الخديو وانتظم مع الحاملين لبقية الآثار، وكان خروج الموكب من القصر في ضحى ذلك اليوم، ووصل إلى المسجد الحسيني بالسير الرويد في ثلاث ساعات، وكان مسيره من عابدين في شارع عبد العزيز إلى ميدان العتبة الخضراء فشارع محمد علي إلى ميدان باب الخلق فشارع تحت الربع إلى باب زويلة فشارع السكرية فالعقادين فالغورية فالسكة الجديدة إلى أن وصل إلى المسجد الحسيني، وكان في طليعته خمسة من فرسان الشرطة يتلوهم جميع أرباب الأشائر الذين بالقاهرة حاملين أعلامهم، ثم كوكبة من فرسان الجيش فكتيبة من مشاته فالأعيان والوجوه فالعلماء وطلبة العلم فعشرون وصيفاً يحملون مجامر البخور وقماقم العطر، ومن بعدهم حملة الآثار في صف، يتوسطهم السيد البكري، وعن يمينه ويساره الغازي مختار باشا وكان لابساً حلته العسكرية، والأمير حسين باشا أخو الخديو، وفي الطرفين محمد ثابت باشا ورءوف باشا، ثم يتلوهم الوزراء — وكان يقال لهم في ذلك الحين: النظار — ثم مستخدمو الدواوين فشرذمة من رجال الشرطة، ولما وصلوا بالآثار إلى المسجد أودعوها في خزانتها وأودعوا معها المصحف العثماني، وتسلم مفاتيحها ناظر الأوقاف، ثم تليت آيات من الكتاب العزيز، ووقف الشيخ سليم عمر القلعاوي شيخ مسجد القلعة فخطب خطبة نوَّه فيها بالآثار ودعا للسلطان وللخديو. ثم لما تولى على مصر الخديو عباس حلمي باشا سنة ١٣٠٩هـ، رأى أن ينشئ للآثار حجرة خاصة فتم إنشاؤها سنة ١٣١١هـ وراء الحائط الشرقي للمسجد الحسيني والحائط الجنوبي لقبة المشهد، وجعل لها بابان واحد إلى المسجد وواحد إلى القبة، وجعلت خزانة الآثار بحائطها الجنوبي، وهي باقية فيها إلى اليوم تقصد بالزيارة في أيام معلومة. عدد هذه الآثار وصفتها نرى فيما سردناه من الروايات اختلافاً في عدد هذه الآثار بالزيادة والنقصان، وسبب ذلك أن من الراوين من لم يرها، فذكر ما نقل له عنها بالسماع، ومنهم من تساهل في استقصاء عددها واكتفى بذكر بعضها، ولقد أحسن من احتاط منهم فأعقب عبارته بقوله: (وغير ذلك) والذي يتحصل من مجموع هذه الروايات أنها كانت قطعة من العنزة، أي: الحربة، وقطعة من القصعة، ومرود، وعبّر عنه بعضهم بالميل، وقال بعضهم من نحاس وبعضهم من نحاس أصفر، وملقط، وقال عنه بعضهم من حديد، وقيده بعضهم بكونه صغيراً لإخراج الشوك من الرجل أو غيرها، ومخصف، وقيده بعضهم بكونه صغيراً، وعبر عنه بعضهم بالإشفي الذي كان صلى الله عليه وسلم يخصف به نعله، ومكحلة، ومشط، وانفرد بذكرهما ابن كثير، وقطعة عصا وانفرد بذكرها الجبرتي، وقطعة من القميص ولم يذكرها إلا ابن إياس والجبرتي، ومن غير الآثار النبوية المصحف المنسوب لأمير المؤمنين علي عليه السلام، ثم أضاف إليها السلطان الغوري المصحف العثماني الذي كان بمدرسة القاضي الفاضل وهما باقيان إلى اليوم وفي نسبتهما إليهما نظر18. ولم يبق من الآثار النبوية اليوم إلا المكحلة والمرود والقطعة من القميص والقطعة من القضيب وهي التي عبَّر عنها الجبرتي بقطعة عصا، وضُم إليها شعرتان من اللحية النبوية الشريفة19 محفوظتان في زجاجة، وقد حفظت جميعها في أربعة صناديق صغيرة من الفضة ملفوفة في قطع من الديباج الأخضر المطرز: المكحلة والمرود في صندوق، والشعرتان في صندوق، والقميص في صندوق، والقضيب في صندوق، وفقدت بقية الآثار التي كانت معها، وهي القطعة من العنزة، والقطعة من القصعة، والمخصف، والملقط، والمشط، ولا يعلم في أي زمان فقدت. تنبــــــــيه قال ابن إياس في حوادث المحرم من سنة ٨٨٩هـ: «وفيه توفي الشيخ ولي الدين أحمد شيخ الآثار النبوية وقاضي ثغر دمياط وكان ديناً خيراً حسن السيرة لا بأس به» ا.هـ. وهي عبارة مبهمة قد يفهم منها أنها آثار نبوية أخرى بدمياط كانت في نظر قاضيها، وقد تبين لنا بعد بحث طويل استوعبنا فيه تراجم الأحمدين بالضوء اللامع للسخاوي أن المراد الآثار المعروفة التي بالقاهرة، وأن الشيخ وليّ الدين المذكور كان شيخاً عليها ثم نقل قاضياً لدمياط وتوفي بها، وملخص ما جاء عنه في هذا الكتاب أنه الشيخ وليّ الدين أبو زُرعة أحمد بن محمَّد بن عمر بن محمد بن إبراهيم البارنباري الشافعي سبط داود بن عثمان السبتي، ولد بمصر سنة ٨٢٨، واشتغل على البهاء بن القطان والشهاب بن مبارك شاه والبرهان المتبولي وغيرهم، وكتب الإملاء عن الحافظ بن حجر، وسمع الحديث عَلَى جماعة منهم عمه النور عليّ والبدر النسابة وهاجر القدسية، وناب في القضاء عن المناوي، واستقر به العز الكناني سنة ٨٧٠ شيخاً عَلَى الآثار، ثم استقرّ به الزين زكريا في قضاء دمياط بعد الصلاح بن كميل، وحُمِد في ذلك كله لعقله ومداراته وخبرته وسياسته مع فضيلة وتواضع، وكتب عَلَى مختصر أبي شجاع معلولاً ومختصراً، وشرع في شرح عَلَى المنهاج، ومات وهو بدمياط ليلة الثلاثاء ثالث عشر المحرم سنة ٨٨٩، ودفن بتربة تجاه فتح الأسمر. ا.هـ. قلنا: وقول السخاوي فتح الأسمر جرى فيه على المشهور عند العامة، والصواب أنه العارف بالله فاتح بن عثمان الأسمر التكروري القادم من مراكش إلى دمياط، والمتوفى بها سنة ٦٩٥ ترجمه المقريزي في خططه في كلامه على دمياط ترجمة حافلة بيَّن فيها وهم العامة في اسمه وذكر له مناقب جليلة في الزّهد والورع وسلوك طريق السلف من التمسك بالكتاب والسنة، رحمه الله تعالى ورضي عنه. بنو حنا من الأسر العريقة في الإسلام، واسم جدهم حِنَّا بكسر الحاء المهملة وفتح النون المشددة على ما ضبطه المقريزي في خططه، وكأنه منقول من اسم الحناء التي يختضب بها ثم قصرته العامة على عادتها في قصر كل ممدود، وقد يظن من لم يعرف ضبطه أنه بفتح الحاء وأنهم من الأقباط الذين أسلموا وتولوا الوزارة أو المباشرة في مصر كبني مكانس وبني الجيعان وغيرهم. عاد النيل إليه بعد انحساره وما زال إلى اليوم يجري بجواره، ولكن في مجرى صغير، وحدثت بين هذا المجرى وبين المجرى الكبير جزيرة. بياض في النسخة بمقدار كلمتين، ولا ريب في أن الساقط اسم أحد بني إبراهيم الذي اشترى منه الصاحب هذه الآثار. العنزة بفتحتين الحربة القصيرة. هو العالم الصوفي المعتقد صاحب الديوان توفي بالقاهرة سنة ٨١٦ ودفن خارج باب النصر، وكان قبره مشهوراً إلى القرن الثاني عشر، وزاره العلامة الشيخ عبد الغني النابلسي وذكره في رحلته الحقيقة والمجاز في رحلة الشام ومصر والحجاز، فقال: إنه بالزقاق الذي على ميمنة الخارج من باب النصر في مزار عليه باب وعلى تابوته ثوب أخضر. قلت: وما زلت أبحث عنه حتى اهتديت إليه في هذا الطريق فرأيته في حالة يرثى لها من الإهمال وقد هدم المزار وزال التابوت والستر ولم يبق غير قبر حقير لاصق بالحائط لا كتابة عليه، ولولا اعتقاد العامة فيه وقصدهم إياه بالزيارة لدرس وجهل مكانه، وزقاعة بضم الزاي وفتح القاف المشددة، وبعدها ألف وعين مهملة مفتوحة وتاء. قوله «وقرئت آثار» هي القراءة المشهورة التي كتب عليها العلامة الآلوسي في تفسيره، ثم قال: وقرأ الحرميان وأبو عمر وأبو بكر (أثر) بالإفراد وفتح الهمزة والثاء وقرأ سلام (إثر) بكسر الهمزة وإسكان الثاء، وقال الكشاف: وقرئ أثر وآثار على الوحدة والجمع. الخوانق جمع خانقاه، وقد يقال فيها خوانك وخانكاه بالكاف وهي كلمة مولدة معربة عن الفارسية وأصلها فيها بالكاف، والمراد بها أماكن جعلت للصوفية يتخلون فيها لعبادة الله تعالى، وكان حدوث الخوانك في الإسلام في حدود الأربعمائة ويعبر الأتراك عن الخانقاه بالتكية. ونقل علي مبارك باشا في كلامه على الخانقاة السرياقوسية من خططه (ج ١٠ ص ٨٧) عن حاشية ابن عابدين على الدر المختار في الفقه ما يفيد أن الخوانك هي الزوايا الخاصة بصوفية الروم. ووهم فيه علي مبارك باشا وهما آخر في خططه، فنسب بناءه للسلطان الملك الظاهر بيبرس وذلك في كلامه على القرية الملاصقة له المسماة الآن (أثر النبي) ومن العجيب أنه لما تكلم عليه هنا لم يبين أنه المسجد الذي كان يسمى برباط الآثار، ولما تكلم على الربط ذكر رباط الآثار ونقل عبارة المقريزي بنصها ولم يزد عليها شيئاً مما حدث فيه بعد ذلك، فأوهم بصنيعه هذا أنهما مكانان لا علاقة لأحدهما بالآخر، والحقيقة أنه مكان واحد تغير اسمه ومعالمه مع الزمن. دير الطين قرية على الشاطئ الشرقي للنيل جنوبي مصر القديمة وملاصقة من شماليها للقرية التي بها رباط الآثار المسماة الآن بأثر النبي، ولعل هذه لم تكن حدثت زمن ابن بطوطة؛ ولهذا قال عن الرباط: إنه بدير الطين لقربه منها، وكان بدير الطين جامع قديم غير الرباط عمَّره أيضاً الصاحب تاج الدين ابن حنا ووسَّعه بعد أن كان ضيقاً. الدرفش بكسر ففتح فسكون لفظة فارسية معناها الراية عربتها العرب بالسين المهملة وقد تقال بالمعجمة كأصلها وتطلق باللغتين على العلم الكبير والعظيم من الإبل والضخم من الرجال، ولم نقف على استعمالها بمعنى الأشفي إلا في عبارة ابن بطوطة فلعلها كانت مستعملة بهذا المعنى في عامية المغرب الأقصى في زمنه أو في اللغة المسماة بالشلحة (بفتح فسكون) التي تتكلم بها بعض القبائل، وأهل المغرب لا يعرفون هذه اللفظة الآن وقد وردت في شعر ابن قيس الرقيات بالسين المهملة بمعنى العلم في قوله: تكنه خرقة الدرفس من الشمـ ـس كليث يفرج الأجما وكذلك في قول البحتري من قصيدته في وصف إيوان كسرى: فإذا ما رأيت صورة أنطا كية ارتعت بين روم وفرس والمنايا مواثل وأنوشر وان يزجي الصفوف تحت الدرفس هو في حوادث وقعت بمصر ولم نعلم اسم مؤلفه، وورد في مواضع منه أنه (ابن محمود). وكان (مرسيل) أحد العلماء الذين رافقوا جيش الفرنسيس الذي احتل مصر سنة ١٢١٣ عثر عليه بها فحمله إلى بلاده ثم سعينا في استنساخ هذه النسخة من هذا الأصل سنة ١٣٣٨ وحفظناها بخزانتنا. تصغير خشبة، ويعرف هذا السوق أيضًا بسوق البخانقيين وقيل له سوق الخشيبة لخشبة جعلت على بابه تمنع الراكب من الوصول إليه كما في خطط المقريزي. ملوخية الذي عرف به هذا الدرب رجل كان صاحب ركاب الحاكم بأمر الله الفاطمي ويعرف بملوخية الفراش، وقد قتله الحاكم وباشر قتله ولعل اسمه منقول من اسم النبات الذي يطبخ ويؤكل بمصر فيكون بضم الميم واللام وكسر الخاء المعجمة وفتح المثناة التحتية المشددة. نسبة إلى بيع الأقباع جمع قبع، وهي كلمة مولدة كانت تطلق على نوع من القلانس والعرب تقول قبعة بضم القاف وفتح الباء المشددة والعين، وتطلقها في خرقة تخاط كالبرنس يلبسها الصبيان، وقد ذكر المقريزي في خططه سوق الأقباعيين وقال: إنه بخط تحت الربع خارج باب زويلة مما يلي الشارع المسلوك فيه إلى قنطرة الخرق إلى آخر ما ذكره، وهو وإن كان قريباً في الجملة من تلك الناحية فقد كان الأولى بالقسطلاني في التعريف بمكان المدرسة والقبة أن يقول بالشرابيشيين كما قال ابن الطولوني في عبارته المتقدمة، وسوق الشرابيشيين هذا ذكره المقريزي في خططه وموضعه الآن الجزء الذي به قبة الغوري وجامعه من شارع الغورية، وكانت تباع فيه الخلع وأنواع القلانس، وإنما قيل له سوق الشرابيشيين نسبة لبيع الشرابيش وواحدها شربوش وهو قلنسوة تشبه التاج كأنها شكل مثلث، ولما بطل استعمالها بقي السوق معروفًا بها إلى أن زال، ولما استعمل الناس في القرون الأخيرة القلنسوة المغربية الحمراء ذات العذبة المعروفة عند المغاربة بالشاشية سموها بالشربوش إلا أنهم أبدلوا شينه الأولى طاء فقالوا فيه: طربوش ومن شاء الوقوف على أصل لفظه وتاريخ حدوثه فليرجع إلى مقال لنا في ذلك نشرناه في صحيفة (الفتح) الصادرة في ٥ المحرم سنة ١٣٤٥ ومجلة الزهراء ص ٢٢ سنة ١٣٤٥. تسمى هذه الجهة اليوم بباب الخلق باللام بدل الراء. هذا سهو منه، فإن البستان المسمى بالمعشوق، لم يكن بجزيرة الروضة بل بقرب بركة الحبش. هذا سبق قلم، والصواب من القبة الغورية. سنفرد مقالاً فيما نسب من المصاحف الشريفة إلى الصحابة رضي الله عنهم ولاسيما ذي النورين وما روي عنها وقيل فيها. سيأتي الكلام على الشعرات النبوية الشريفة في فصل خاص. =============== آثار القدم الشريفة على الأحجار قلنا في كلامنا على رباط الآثار المسمى بعد ذلك بجامع أثر النبي إن به حجراً تزعم العامة أن عليه أثر القدم النبوية الشريفة وليس بصحيح، ووعدنا بمعالجة البحث فيه وفيما يماثله من الأحجار في هذه التتمة فنقول: المعروف الآن من هذه الأحجار سبعة: أربعة منها بمصر، وواحد بقبة الصخرة ببيت المقدس، وواحد بالقسطنطينية، وواحد بالطائف، وهي حجارة سوداء إلى الزرقة في الغالب عليها آثار أقدام متباينة في الصورة والقدر لا يشبه الواحد منها الآخر، وقد ألّف العلامة أحمد بن محمد الوفائي الشافعي المعروف بابن العجمي المتوفى سنة ١٠٨٦ رسالة سماها: «تنزيه المصطفى المختار عما لم يثبت من الأخبار» بيَّن فيها عدم صحة هذه الأحجار، وأن لا سند لما ورد فيها، ونقل عن الإمام ابن تيمية أنها من اختراع الجهال وأن ما يروى من حديث تأثير قدمه صلى الله عليه وسلم في الصخر إذا وطئ عليه من الكذب المختلق، وفي ج١ ص ٢٦٠ من مجلة «الهداية الإسلامية» نبذة في ذلك لأستاذنا العلامة مديرها لخَّصها من هذه الرسالة فلتراجع. وسنورد في آخر هذه التتمة خلاصة نذكر فيها من تكلم على هذه الأحجار من العلماء الأعلام نفياً وإثباتاً بعد أن نستوفي البحث فيها من الوجهة التاريخية مبتدئين بما بمصر منها على ما يأتي: الأول: حجر أثر النبي وهو حجر ضارب إلى الحمرة عليه أثر قدمين، محفوظ في حجرة صغيرة مطلة على النيل وملاصقة للحائط الغربي لمسجد أثر النبي، وعلى هذه الحجرة قبة وفي حائطها الجنوبي محرابان: أحدهما لا شيء به، والذي في غربيه به صُفَّة ألصق الحجر عليها وجعل على وجه هذا المحراب رخام منقوش كتب فيه بالنقر سطران بالتركية يفيدان أن إبراهيم باشا مد الله في عمره جدد هذا المقام على رسم القدم، وقد تقدم في كلامنا على رباط الآثار أن إبراهيم باشا الدفتردار المتولي على مصر سنة ١٠٧١ جدده ووسعه وبنى تحته رصيفاً وأرصد له أرضاً وعيّن به القراء والحراس، ثم نقلنا عن الجبرتي خبر تجديد آخر فيه قام به الخواجة1 محمود حسن بزرجان باشا سنة ١٢٢٤ وقلنا إنه البناء الباقي إلى اليوم على الراجح والذي يظهر أن التجديد الأخير لم يشمل قبة الأثر بدليل هذه الكتابة الباقية على المحراب، إلا أن تكون هذه الرخامة أعيدت إلى مكانها بعد التجديد إبقاءً لاسم إبراهيم باشا وتاريخ وضع هذا الحجر بهذا المكان مجهول، فلا يغترنَّ الناظر في الخطط الجديدة التوفيقية لعلي مبارك باشا، بما جاء عنه في كلامه عن قرية (أثر النبيّ) وزعمه أن الظاهر بيبرس هو الباني للمسجد وللقبة عَلَى هذا الأثر، فقد بيَّنا وهمه هذا فيما تقدم، وأن المسجد من بناء الصاحب تاج الدين ابن حِنا، وكان يعرف برباط الآثار، ثم تغيرت معالمه مع الزمن بما حدث فيه من التجديد، كما تغير اسمه بجامع أثر النبي، والراجح في هذا الحجر أنه لم يوضع بهذا المسجد إلا في القرون الأخيرة؛ إذ لو كان من زمن ابن حنا أو ما قرب منه، ما أغفل ذكره مؤرّخو تلك العصور، كما لم يغفلوا ذكر ما كان هنا من الآثار، ولم نجد له ذكرًا فيما اطلعنا عليه من الرِّحَل إلا في «الحقيقة والمجاز في رحلة الشام ومصر والحجاز» للعلامة عبد الغني النابلسي، وهي في وصف رحلته إلى هذه البقاع الثلاث في أوائل القرن الثاني عشر، وقد زاره باعتقاد وحسن نية، كما فعل بحجر قايتباي، وكانت زيارته له بعد زيارته لمقياس النيل بالروضة، فقال عنه ما نصه: «ثم قمنا من ذلك المكان، وركبنا وسرنا مع الجماعة بالسرور والأمان، إلى أن وصلنا إلى المسجد الذي فيه قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلنا إليه وصلّينا صلاة الظهر بالجماعة، ورأينا ذلك المسجد فدخلنا إلى قبة لطيفة، وبها البهجة والجلال والهيبة لطيفة، وهناك أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم في حجر شريف، مرتفع في طاق عال منيف، في الحائط القبلي وعليه الماوَرد2 والستر المسبول، وأنواع القبول، وقد عقدت عَلَى ذلك المكان قبة سامية البناء، جالبة الهناء، فتبركنا به وحصل لنا كمال الصفاء، وغاية الشوق والوفاء». ثم أنشد فيه لنفسه: طه الرّسول به الفؤاد مولّع أكرم بممشاه المؤثر في الحجرْ إنْ فات عيني أن تراه فإنها قنعت هناك بما تراهُ من الأثرْ وأنشد فيه أيضاً قوله: قدم النبيّ بمصر جئنا نحوه متبرّكين بنوره الفياض تعلو عليه من الجلالة قبة أنوارها كالبرق في الإيماض وعليه أسرار المهابة والبها يهدي القلوب لذكر عهد ماض حصلت به كل السعادة والمنى للزَّائرين وسائر الأغراض أثرٌ شريفٌ قد بدا في صخرة من مَسها يُشفي منَ الأمراض انتهى. وبقي هذا المسجد معروفاً بمسجد الآثار بعد نقل الآثار النبوية منه إلى قبة الغوري في أوائل القرن العاشر، ثم عرف بجامع أثر النبي، وهي تسمية لم نرها في التاريخ قبل القرن الحادي عشر، والغالب أنه سمّي بذلك بعد وضع هذا الحجر فيه، وقد أطلق هذا الاسم أيضاً على القرية الملاصقة له، ثم على الشارع الموصل إليه من مصر القديمة الذي أحدث في هذا العصر ممتدّاً عَلَى شاطئ النيل. الثاني: حجر قايتباي: وهو حجر أسود به أثر قدمين موضوع بجوار قبر السلطان الملك الأشرف أبي النصر قايتباي المحمودي المتوفى في ١٧ ذي القعدة سنة ٩٠١هـ، وكان أعد هذا القبر لنفسه في حجرة واسعة ذات قبة شاهقة ملاصقة لمسجده الذي بناه بالصحراء المعروفة الآن بقرافة المجاورين3. ويرى الزائر في ركن من هذه الحجرة قبر ولده السلطان الملك الناصر أبي السعادات محمد، المتولي بعده عَلَى المملكة المصرية، والمتوفى مقتولاً في ١٥ ربيع الأول سنة ٩٠٤هـ، وبجواره حجر آخر أسود عليه أثر واحد يزعمون أنه أثر قدم الخليل عليه السلام، والشائع فيهما عند السدنة وسكان تلك الجهة أن السلطان استجلبهما من الحجاز ليوضعا بعد موته بجوار قبره تبركاً بهما، وهو شيء لم نره مسطوراً في تاريخ4، وإنما يذكره بعض أصحاب الرحلات عَلَى ما سمعوه من الأفواه، وذكره أيضًا العلامة شهاب الدين الخفاجي في نسيم الرياض شرح شفا القاضي عياض بما نصه: «قيل: إن السلطان قايتباي اشتراه بعشرين ألف دينار وأوصى بجعله عند قبره وهو موجود إلى الآن». قلنا: وإذا لم يصح شراء السلطان لهذين الحجرين أو أحدهما، فلا يبعد أن يكونا من الأحجار التي قيل إنها أحضرت من خيبر لشمس الدين ابن الزمن التاجر الشهير وجعلها بمدرسته التي كان شرع في إنشائها بشاطئ بولاق، وكان يقيم أحياناً بمكة للإشراف عَلَى أبنية الأشرف قايتباي بها ثم توفي بها سنة ٨٩٧، فيحتمل أنه أحضرها معه من الحجاز، ثم اختار السلطان منها هذين الحجرين فنقلهما بعد موته من مدرسته، والله أعلم. وسيأتي الكلام على هذه المدرسة وما كان بها من الآثار في هذا الفصل وفي فصل الشعرات الشريفة. وقد زار المقري وأبو سالم العياشي هذا الأثر في القرن الحادي عشر وأبو العباس أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي في أوائل القرن الثاني عشر، وأبو العباس أحمد الفاسي في أوائل الثالث عشر، فذكروا عدم ثبوت صحته، وأنه يُزار بُحسن النية فقط، وزاره في أوائل القرن الثاني عشر الشيخ عبد الغني النابلسي، ولكنه لم يعتمد فيه إلا على ما سمعه من الأفواه، وقد ذكره مرتين في رحلته «الحقيقة والحجاز» إحداهما بإسهاب في زيارته الأولى له، والثانية باختصار في زيارته الثانية عند خروجه من القاهرة للحج، فقال في الأولى: «ثم سِرنا إلى أن وصلنا إلى جامع السلطان قايتباي، وهو مكان معمور، وبأنواع الخير مغمور، فدخلنا إليه وزرنا قبر السلطان، وعليه قبة عظيمة، ذات جدران محكمة جسيمة، فوقفنا وقرأنا الفاتحة، ودعونا الله تعالى، وعند رأس القبر قدم النبي صلى الله عليه وسلم في صخرة موضوعة على كرسي، وعلى تلك الصخرة قبة لطيفة من خالص الفضة مطلية بالذهب والكتابة بالذهب حولها بالخط الحسن، وللقبة باب، ففتح لنا وزرنا القدم الشريفة، وقبلناها وتبركنا بها، وعند الجدار الشمالي قبر زوجة5 السلطان قايتباي، وعَلَى قبرها قدم الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام أيضاً في صخرة، وعلى تلك الصخرة قبة من خشب فزرناها وتبركنا بها وقرأنا الفاتحة ودعونا الله تعالى، وذكروا لنا أن السلطان سليما من بني عثمان عليه الرحمة والرضوان لما دخل مصر المحروسة زار القدم المذكورة قدم النبي صلى الله عليه وسلم وتبرك بها6. ثم بعد رجوعه إلى بلاد الروم، أرسل جماعة من الناس إلى مصر، وأخذ القدم النبوية المحمدية فحملت الصخرة إليه لأجل التبرك وحصول الخير بها في البلاد الرومية، فلما وصل ذلك إلى بلاد الروم سلطان بني عثمان، رأى في منامه السلطان قايتباي، وأمره أن يرد القدم إلى مكانها، وقال له: أنا أخذتها بإذن النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة، فلما أفاق من منامه أرسلها إلى مكانها وأرسل معها أربعة أعلام مكتوبة بالذهب، وهي إلى الآن موجودة في ذلك المكان. ا.هـ. قلنا: الذي نسبه إلى السلطان سليم لم يقله أحد من المؤرخين، وإنما نقله كما ذكروه له، وهو من أوهام السدنة وخلطهم في المسائل التاريخية، والمعروف أن الذي نقل هذا الحجر إلى القسطنطينية هو السلطان أحمد بن محمد المعروف عند العثمانيين بأحمد الأول المتولي سنة ١٠١٢ والمتوفى سنة ١٠٢٦، وهو الذي جعل عليه القبة الفضة على ما ذكره العلامة أحمد المقري في فتح المتعال في مدح النعال، فقد سرد في خاتمة هذا الكتاب مسائل تعرض في إحداها لهذا الحجر، وأورد أبياتاً سقيمة كثيرة الضرورات رآها مكتوبة على الفضة التي جعلها هذا السلطان على الحجر، وهذا نص ما قال: «ومنها أن كثيراً من مادحيه صلى الله عليه وسلم صرحوا بأنه كان إذا مشى على الصخر غاصت قدماه فيه، وإذا مشى على الرمل لا يؤثر فيه7 حتى إنه اشتهر عند الناس قصد بعض الحجارة التي فيها شبه أثر القدم النبوية فيما يقال للتبرك بها، خصوصاً ما وضع منها في المواضع المقصودة للزيارة، وقد رأيت بمصر المحروسة بتربة السلطان المرحوم أبي النصر قايتباي المحمودي رحمه الله بالصحراء حجراً فيه أثر قدم يقال: إنه أثر القدم النبوية، والناس يزورونه وقد رأوا له بركات، وقد كان الخُنكار8 المرحوم سلطان الرُّوم خادم الحرمين الشريفين مولانا السلطان أحمد ابن مولانا السلطان محمد ابن مولانا السلطان مراد بن عثمان9 رحم الله سلفه ونصر خلفه نقله من هذا المحل إلى حضرته العلية القسطنطينية، ثم أمر برده إلى محله وجعل عليه فضة بصنعة مملوكية وعليها مكتوب مما قرأته ما مثاله ولم يعلم قائله: تشوَّق حضرة السلطان أحمدْ زيارة موطئ القدم المكرمْ فحركه بجاذبة اشتياق على إقدام أقدام فقدم وسيّره إلى القسطنطنية10 فقال له تقدم خير مقدم وأدخل داره باليمن حباً وتعظيماً لصاحبه المعظم حبيب الله سيدنَا محمدْ عليه ربنا صلى وسلم وأرجعه11بإعزاز عظيم إلى تلقاء موضعه المقدّم إلهي عمّر السلطان أحمد وقدّمه عَلَى من تقدم بحرمة صاحب القدم المعلَّى إلى الدرجات في الأفلاك سلم وتشرف بزيارته سنة ١٠٢٤ ا.هـ. ما ألفيته بحروفه». والذي ذكره من نقل السلطان أحمد للحجر غير مستبعد، فقد ذكرت التواريخ التركية أنه كان كثير التعظيم للآثار النبوية، حتى إنه نقش مثال القدم النبوية على صُرْغَوج عمامته ونقش معه بيتين بالتركية من نظمه، والصرغوج حلية كانت توضع على القلنسوة أو العمامة ولم تزل هذه القبة إلى اليوم على هذا الحجر، وهي قبة صغيرة قائمة على قاعدة مربعة مرفوعة على أربعة أعمدة والأبيات المذكورة منقوشة بالحفر في جوانب القاعدة، ولم تتيسر لنا قراءتها إلا بعناء بعد جلاء موضعها ومسحه، وكانت تظهر لنا في بعض المواضع عند مسحها آثار الطلاء بالذهب، وقد اكمدَّ لون القبة وتغير حتى يخيل لرائيها أنها من نحاس. وأما الحجر الآخر الذي قيل: إنه به أثر الخليل فعليه شبه قبة من خشب مستطيلة دقيقة الأعلى واسعة الأسفل كالقمع ساذجة لا أثر للصناعة فيها. ولما زار أبو العباس أحمد الفاسي في رحلته إلى الحج سنة ١٣١١ مسجد السلطان قايتباي، وصف الحجرين بقوله: «وتبركت بحجرين هنالك شاع عَلَى ألسنة العوامّ أنهما أثَّرَ فيهما قدما النبي صلى الله عليه وسلم، أحدهما بلصق قبر السلطان المذكور فيه أثر قدمين، والآخر مقابل له يمنة الداخل من الباب فيه أثر آخر، وعليهما بناء وهما مرفوعان من الأرض على بناء، وإن لم يصح ذلك فقد نسبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الجملة والله يعاملنا بنياتنا». ثم نقل عبارة أبي سالم العياشي عنهما في رحلته، ونصها12: «عند رأس القبر حجر مبني عليه بناء حسن فيه أثر قدمين شاع عند الناس أنهما قدما النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك حجر آخر فيه أثر قدم أخرى يقال: إنها قدم الخليل، والناس يزورونها ويذكرون أنها من الذَّخائر التي ظفر بها السلطان قايتباي أيام سلطنته، فجعلت عند قبره رجاء بركتها ولا يبعد ذلك، فقد كان ملكاً عظيماً عدلاً موقراً مهيباً محبباً إلى الخلق، ذا سيرة حسنة في الرعية، واجتهاد في عبادة ربه، إلا أننا لم نر من نصٍّ على أنه ظفر بشيء من هذه الآثار من المؤرخين، بل ذكر جماعة من حفَّاظ المحدثين أن ما استفاض واشتهر خصوصاً على ألسنة الشعراء والمداح من أن رجل النبي صلى الله عليه وسلم غاصت في الحجر لا أضل له، ولم يذكر أحد أن أثر الخليل عليه السلام موجود في غير حجر المقام. قلت: وبالمدينة المشرفة ومكة والقدس آثار يقال إنها آثار بعض أعضاء النبي صلى الله عليه وسلم من قدم ومرفق وأصابع والله أعلم بصحة ذلك، ولكن لم يزل الناس منذ أعصار يتبركون بها من العلماء والصالحين، ويتقي الآخر منهم الأول، فلأجل ذلك لما دخلنا إلى مزار السلطان المذكور صبَّ القيِّم على الأثرين شيئًا من ماء الورد، فغمسنا فيهِ أيدينا ومسحنا بها أوجهنا ورءوسنا وأبداننا رجاء البركة بحُسن النية وجميل الاعتقاد» إلى آخر ما ذكره. وقال أبو العباس الفاسي عقب نقله لكلامه: «وما زال يبعد كل البعد عند علماء القاهرة ثبوت الأثر المذكور، فقد تكلمت مع شيخنا الشيخ داود القلعي في ذلك فلم يسعفني بالكلام فيه». ا.هـ. قلنا: وآثار القدم والمرفق التي أشار إليها أبو سالم العياشي رأيناها مذكورة في سؤال رفع إلى الإمام السيوطي، فأجاب بأنه لم يقف في ذلك على أصل ولا سند ولا رأي مَن خرَّجه في شيء من كتب الحديث. اهـ. والذي يرويه الناس في المرفق أنه صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى دار أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) بمكة ووقف ينتظره ألصق منكبه ومرفقه بالحائط فغاص المرفق بالحائط في الحجر وأثر فيه، وبه سمى الزقاق زقاق المرفق. اهـ. ملخصاً من فتح المتعال للمقري. وذكره أيضًا قطب الدين الحنفي في الإعلام بأعلام بيت الله الحرام في الخاتمة التي خصها بالأماكن المجاب فيها الدعاء بمكة فقال: إنه صفحة حجر مبني في جدار في وسطه حفرة مثل محل المرفق يزوره العوام ويزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم اتكأ عليه فغاص مرفقه الشريف فيه، ثم قال: «وما رأيت في كلام أحد من المؤرخين حقق شيئاً من ذلك، وَالله أعلم بحقيقته»13. وَرأينا أيضاً في موضعين من هذه الخاتمة أن بالجبل المقابل لثبير الذي بلحفه مسجد الخيْف غاراً يقال له غار المرسلات لنزول سورة «وَالمرسلَات» به، تزعم العامة أن سقفه لَانَ لرأس النبي صلى الله عليه وسلم فأثر به تجويفاً بقدر دورة الرأس فيضع الناس رءوسهم في هذا الموضع تبركاً، ثم ذكر أنه لم يقف عَلَى خبر يعتمده في ذلك. قلنا: ذكره التقي الفاسي في شفاء الغرام والجلال السيوطي في الخصائص الكبرى عن أبي نُعيْم ولكن بلا سند، وقد بقي هذان الحجران مقصودين بالزيارة إلى زماننا هذا، وذكرهما العلامة إسماعيل الحامدي المالكي أحد علماء الأزهر المتوفي سنة ١٣١٦ في الرحلة الحامدية إلى الأٌقطار الحجازية، وهي في حجة سنة ١٢٩٧هـ، فقال: إنه زارهما وإن حجر المرفق كان قريباً من الصاغة، وذكر حجراً آخر زاره في الطريق التي بين مكة والتنعيم، قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أسند ظهره إليه فلَانَ وغاص فيه14، وذكر حجراً آخر قيل: إن عليه أثر كفه صلى الله عليه وسلم بمسجد الغمامة بجهة بدر، وحجراً بالمدينة في مكان بأسفل جبل أُحُد عليه أثر نبوي. والراجح أنها قلعت جميعها من أماكنها ومحيت آثارها بعد استيلاء الملك عبد العزيز بن سعود ملك نجد على الحجاز سنة ١٣٤٤، ومن حجارة الآثار حجر قيل: إن عليه أثراً نبوياً في قرية شهار بالطائف يسمونه بأثر الغزالة النبوية، ذكره الفاكهي في تاريخه للطائف، ونقله عنه الشيخ محمد عبد الكريم من علماء القرن الثاني عشر في رسالة له في فضائل الحبر ابن عباس والطائف، ثم قال: «ولم أقف عَلَى ما يشهد لذلك في كتب الآثار ولا في أجزاء لطيفة صنفت في آثار الطائف للمتأخرين ولا على ما ينفيه». اهـ. وقد دعانا التعرض لأثر المرفق إلى الاستطراد لذكر هذه الأحجار إتماماً للفائدة ببيانها وبيان أن لا مستند فيها إلى على ما هو شائع بين الناس، والله أعلم. الثالث: حجر المقام الأحمدي: وهو في ركن من أركان القبة المقامة على ضريح السيد أحمد البدوي (رضي الله عنه) بطندِتا المعروفة الآن عند العامة بطنطا، ولم أقف فيهِ إلا على ما ذكره الشيخ عبد الصمد في الجواهر السنية في النسبة والكرامات الأحمدية من أنه حجر أسود مثبت في ركن القبة تجاه وجه الداخل من الجهة اليمنى، وفيه موضع غوص قدمين شاع بين الناس وذاع واستفاض وملأ البقاع والأسماع أنه أثر قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل من زار الأستاذ يتبرك به. اهـ. ولم يتعرض لذكر واضعه وتاريخ وضعه بهذا المكان. الرابع: حجر البرنبل: وهي قرية شرقي النيل من قسم إطفيح15 بولاية الجيزة وفي شرقيها على قارة بسفح الجبل مقام لسيدي أُوَيْس القَرَني، والصحيح أنه غير مدفون بمصر، وفي شرقي هذا المقام حجر صلب في الجبل به أثر قدم تزعم العامة أنه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزوره سياح الإفرنج كثيراً. الخامس: حجر قبة الصخرة: ببيت المقدس وهو قديم ذكره الإمام ابن تيمية وأنكر صحته، وقال عنه العليمي في «الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل»: «القدم الشريفة في حجر منفصل عن الصخرة محاذ لها آخر جهة الغرب من جهة القبلة وهو على عمد رخام». ومثله في «باعث النفوس لزيارة القدس المحروس» لبرهان الدين إبراهيم ابن قاضي الصلت، و«إتحاف الأخصَّا بفضائل المسجد الأقصى» لشمس الدين محمد المنهاجي السيوطي، وذكره أيضاً جمال الدين عبد الله بن هشام الأنصاري في «تحصيل الأنس لزائر القدس»16 بما لا يخرج عن ذلك وزاره العلامة المقري وقال عنهُ في «فتح المتعال»: «وقد رأيت حجراً فيهِ أثر قدم بقية الصخرة الشريفة بالبيت المقدَّس، والناس يعظمونهُ ويتبركون به». وقد زاره العلامة عبد الغني النابلسي وأشار إليهِ في رحلتهِ «الحقيقة والمجاز» محيلاً على ما ذكره عنه في «الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية». وقد نقل في الحضرة الأنسية ما قدمنا نقله في وصفه، ثم قال: «وجعلوا على هذا المكان من الفضة على شكل الخزانة له قبة صغيرة وباب بمصراعين كل ذلك مصنوع من الفضة على شكل الخزانة، ثم خافوا على ذلك من السارق فجعلوا على ذلك شبكة من النحاس الأصفر لها باب بمصراعين أيضاً يفتح للزائرين، ففتحوه لنا والتمسنا من أثر تلك القدم البركة، وقد وضعوا فيه ماء الورد، فوقفنا ودعونا الله تعالى بما تيسر من الدعاء، وأخذنا منه ووضعنا على وجوهنا، ودفعنا للخادم ما تيسر من الدراهم كما هو عادتهم، وقلنا في ذلك من النظام على حسب ما اقتضاه المقام: قام في الصخرة طه المصطفى ليلة المعراج والرسل خَدَمْ وبدا التأثير منْ أقدَامهِ عبرة لّما بها الصَّخر اصطّدمَ وَعجيبٌ كيف في صلد الصَّفَا يظهرُ التأثير مِن لحم وَدَم إنهُ معجزة لا عجب وَهو للشكِّ وللريب هَدم فاتني لثم ثرى أقدَامه فتبركت بآثار القَدَمْ»17 السادس: حجر القسطنطينية: وهو - على ما في التواريخ التركية - من الآثار التي أخذها السلطان سليم من الشريف بركات أمير مكة بعد فتحه مصر ونقلها معه إلى القسطنطينية، وهي محفوظة اليوم بقصر (طوبقبو)، وتسمى عندهم بالأمانات المباركة. السابع: حجر الطائف: جاء في اللطائف من قطر الطائف لابن عراق أن من المواقف النبوية بالطائف موقفاً بجبل أبي زبيدة، وآخر عند وَجّ وصخرة عليها أثر موقفه الشريف في مسجد العدَّاس بجبل أبي الأخيلة، وقد تكلم العلامة جار الله محمد بن فهد على هذه المواقف في تحفة الطائف في فضائل الحبر ابن عباس ووج والطائف، إلا أن النسخة التي عندنا وقع بها سقط في هذا الموضع اختلت بسببه العبارة، وفي «إهداء اللطائف من أخبار الطائف» للعجيمي ما نصه: «ومن المآثر موقف بجبل أبي زبيدة في طريق الذاهب إلى وج من جبل يقال له: قرين ثم في سفح جبل يقال له: أبو الأخيلة معبد العداس، وهو في مسجد بالمَثناَة وأثر الموقف ظاهر في صخرة في ركن المسجد المشهور بمسجد الموقف». اهـ. قلنا: وقد بلغنا أن بوج في الجهة المسماة بالمثناة مسجداً به حجر باق إلى اليوم يزعمون أن عليه أثر مرفقه صلى الله عليه وسلم، ولهذا يسمونه بمسجد الكوع؛ لأن العامة تطلق الكوع على المرفق وهو مِن أوهامها، والمظنون أنه المسمى قديماً بمسجد الموقف، ثم سماه الناس في العصور الأخيرة بمسجد الكوع لتوهمهم أن الذي به أثر المرفق الشريف لا القدم لعدم وُضوح الأثر وضوحاً كافيًا فيما يظهر، ولهذا عدَدناه مُن أحجار الأقدام الباقية إلى اليوم وليحقق. أحجار أخرى كانت بمصر: عليها أثر القدم الشريفة فيما زعموا، أشار إليها السخاوي في ترجمة شمس الدين محمد بن عمر بن محمد بن الزمن الشافعي المتوفى سنة ٨٩٧، وذكر أنها أحضرت له من خيبر، وأنها كانت مع آثار أخرى في مدرسته التي شرع في إنشائها بشاطئ بولاق، قلنا: ولا ندري أين ذهبت، ولعل منها بعض الأحجار المعروفة بمصر الآن، كالحجرين اللذين بتربة قايتباي كما قدمنا، والله أعلم. حجران آخران بمكة والمدينة: ذكرهما العلامة المقري في فتح المتعال فقال: «ورأيت بمكة المشرفة أيضاً في القبة التي وراء قبة زمزم أثر قدم في حجر يقولون: إنه أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرني بعض الناس أن بالحجرة الشريفة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام حجراً كذلك، ولم أره حين دخلت للتبرك بإيقاد مصابيحها، ثم سألت عن ذلك الثقات العارفين، فأجابوني، إن الحجرة ليس فيها شيء من ذلك، وإنما هو في بعض أماكن المدينة المنورة على صاحبها الصلاة والسلام، فذهبت إليه فألفيت موضعه مما لا يمكن دخوله في الوقت الذي ذهبت فيه، وبعد هذا تكرر دخولي الحجرة الشريفة مراراً عديدة، فلم أر فيها ذلك بيقين، فعلمت أن المخبر لي وهم». اهـ. قلنا: أما حجر المدينة فلا نعلم عنه شيئاً، وأما حجر مكة فإن القبة التي كان بها هدمها الشريف عون الرفيق أمير مكة المتولي عليها سنة ١٢٢٩هـ والمتوفى بها يوم الأربعاء ١٦ جمادى الأولى سنة ١٣٢٣هـ. وبلغنا أن حجراً أثرياً كان بها، وهبه الشريف لأحد الهنود بعد هدمها، فلعله الحجر المذكور الذي رآه المقري. آثار أقدام لبعض الأنبياء: في بعض البلدان آثار أقدام على أحجار منسوبة إلى بعض الأنبياء كأثر قدم آدم عليه السلام في جزيرة سرنديب المعروفة أيضاً بسيلان بالهند، وأثر قدم الخليل عليه السلام بالحرم المكي، وأثر قدم موسى عليه السلام بظاهر دمشق، وأثر قدم عيسى عليه السلام بطورزيتا ببيت المقدس، وأثر قدم إدريس عليه السلام ببيت المقدس، وأثر قدم أيوب عليه السلام بقرية قرب نوى بالبلاد الشامية، ولكون مقالنا هذا خاصاً بالآثار المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام اكتفينا بالإشارة إليها دون التعرض لتحقيقها وتفصيل الكلام عليها. تنبيه: كان في مصر مسجد بالقرافة الكبرى معروف بمسجد الأقدام يرد ذكره في كتب الخطط والتاريخ، وقد يتوهم من يراه مذكوراً عرضاً في بعض العبارات أنه سمي بذلك لأحجار كانت فيه عليها آثار أقدام منسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم أو لبعض الأنبياء عليهم السلام كالتي تقدمت وليس كذلك، وإنما سمي بمسجد الأقدام لأن مروان بن الحكم لما دخل مصر وصالح أهلها وبايعوه امتنع من بيعته ثمانون رجلاً من المعافر سوى غيرهم، وقالوا: لا ننكث بيعة ابن الزبير، فأمر مروان بقطع أيديهم وأرجلهم وقتلهم على بئر المعافر في هذا الموضع فسمي المسجد بهم لأنه بني على آثارهم والآثار الأقدام، يقال جئت عَلَى قدم فلان أي أثره، وقيل: بل أمرهم بالبراءة من عليّ بن أبي طالب عليه السلام فلم يتبرءوا منه فقتلهم هناك، وقيل: سمي مسجد الأقدام لأن قبيلتين اختلفتا فيه، كل تدعي أنه من خطتها، فقيس ما بينه وبين كل قبيلة بالأقدام وجعل لأقربهما منه، وقيل: إنما سمي مسجد الأقدام لأنه كان يتداوله العبّاد، وكانت حجارته كذاناً فأثر فيها مواضع أقدامهم، كذا في خطط المقريزي. قلنا: وإنما أثرت أقدمهم فيه لأن الكَذَّان من الحجارة الرخوة، ولما شرع السلطان الملك المؤيد شيخ في بناء جامعه داخل باب زويلة، ونقل إليه العمد وألواح الرخام من الدور والمساجد، هدم هذا المسجد لذلك، وفي تحفة الأحباب للسخاوي أنه كان من المساجد السبعة التي بالقرافة المجاب عندها الدعاء، وكان واسع الفناء عالي البناء مرتفعاً عن الأرض يصعد إليه من درج، وكانت العامة تزعم أنه به قبر آسية امرأة فرعون، وتسمى الموضع بها وليس بثابت، ولم يزل عامراً حتى أنشأ السلطان الملك المؤيد أبو النصر شيخ مدرسته داخل باب زويلة من القاهرة فحسنوا له خرابه، وقالوا له: هذا في وسط الخراب فصار كوماً من جملة الكيمان التي هناك. آراء العلماء في آثار القدم النبوية الشريفة: من الذين أنكروا صحة ذلك وذكروا أن لا أصل ولا سند لما ورد فيه الإمام أحمد بن تيمية في فتاواه، ونقله عنه تلميذه الإمام ابن القيم، والإمام السيوطي في فتاواه، والعلامة ابن حجر الهيثمي في فتاواه مؤيداً لفتوى السيوطي وفي شرحه للهمزية، حيث ذكر أن من روى هذا الخبر من أصحاب الخصائص رواه بلا سند، والحافظ محمد بن يوسف الشامي تلميذ السيوطي في سيرته النبوية «سبل الهدى والرشاد»، وقال في فتوى شيخه: وناهيك باطلاع الشيخ، وقد راجعت الكتب التي ذكرها في آخر الكتاب فلم أر ذلك، فشيء لا يوجد في كتب الحديث والتواريخ كيف تصح نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ. وقال المقري في فتح المتعال: وممن أنكره الإمام برهان الدين الناجي الدمشقي وجزم بعدم وروده. اهـ. ومنهم الشمس العلقمي، والعلامة عبد الرءوف المناوي: والعلامة محمد الشوبري قدوة الشافعية فيما كتبه على المواهب اللدنية، والعلّامة علي الأجهوري المالْكي في شرح ديباجة مختصر المالكية على ما ذكره عنهم ابن العجمي في تنزيه المصطفى المختار، والعلامة محمد الزرقاني فيما كتبه على المواهب اللدنية، والعلامة أحمد المقري في فتح المتعال، ومن المتأخرين العلامة داود القلعي على ما حكاه عنه الفاسي في رحلته، ومن أصحاب الرحل أبو سالم العياشي وأبو العباس أحمد الدرعي وأبو العباس أحمد الفاسي، غير إنهم قالوا بأنه وإن لم يصح فيزار بحسن النية لنسبته في الجملة للمقام النبوي، والعلامة أحمد الشهير بابن العجمي في رسالته تنزيه المصطفى المختار التي قدمنا ذكرها، وقطب الدين الحنفي في «الإعلام بأعلام بيت الله الحرام»، غير أن كلامه خاصٌّ بأثر المرفق فذكر أنه لم ير في كلام أحد من المؤرخين من حقق ما يقال عنه، والعلامة محمد الحفني الكبير في حاشيته على شرح ابن حجر الهيثمي على الهمزية في قول الناظم: أو بلثم التراب من قدم لا نت حياء من مسها الصفواء وقول ابن حجر عنه: «هذا الذي ذكره الناظم ذكره غيره ممن تكلم على الخصائص لكن بلا سند» فإنه علق عليه بقوله: «قوله بلا سند في فتاوى الشارح18 هل ورد أنه صلى الله عليه وسلم لَانَ له الصخر وأثرت قدماه فيه؟ وأنه إذا مشى عَلَى التراب لا تؤثر قدمه الشريفة فيه؟ وأنه لما صعد صخرة بيت المقدس ليلة المعراج اضطربت تحته ولانت فأمسكتها الملائكة؟ وأن الأثر الموجود بها الآن أثر قدمه؟ وأنه صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى بيت أبي بكر بمكة ووقف ينتظره ألصق منكبه ومرفقه بالحائط فغاص المرفق في الحجر وأثر فيه وبه سمي الزقاق بمكة زقاق المرفق؟ فأجاب بقوله: أجاب الحافظ السيوطي لما سئل عن ذلك كله فقال: لم أقف له عَلَى أصل ولا سند ولا رأيت من خرَّجه في كتب الحديث» ثم قال عقب نقله عبارة ابن حجر المذكورة: «وقد ذكر الأئمة أن الحافظ إذا قال مثل هذه العبارة بقوله لا أعرفه دل عَلَى عدم وروده» اهـ. أما المثبتوق: فالإمام تقيّ الدين السبكي بقوله في تائيته: وأثر في الأحجار مشيك ثمّ لم يؤثر برمل أو ببطحاء مكة والعلامة القسطلاني في المواهب اللدنية، غير أن شارحها العلامة الزرقاني ردَّ عليه وناقشه فيما أورده، والعلامة شهاب الدين الخفاجي في نسيم الرياض شرح شفا القاضي عياض في خاتمة أوردها عقب شرحه لفصل المعجزات الواقعة في الجمادات من الباب الرابع الخاص بالمعجزات النبوية من القسم الأوّل، والعلامة عبد الغني النابلسي في الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية، وقد أطال في محاولة إثبات هذه الآثار، وقال في رده على من نفى من العلماء وجود سند لها بأن «الراجح إثبات ذلك ميلاً إلى ما اتفق عليه عموم الناس واشتهر عَلَى ألسنة الخلف عن السلف، وإن لم يكن لهم مستند في ذلك فقد يكون لهم مستند وخفي عنا» اهـ. وممن ذهب إلى إثباتها من المتأخرين العلامة أحمد زيني دحلان في سيرته النبوية، قال العلامة ابن العجمي بعد أن لخص أقوال المثبتين من أهل عصره ومن قبلهم ما نصه: «وحاصل جميع ما تقدم الاعتراف بأن ذلك لا سند له وأنه على مجرد الشهرة، وهو غير كاف في إثبات نسبتها إليه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الخصوصيات لا تثبت بالاحتمالات؛ لأنها من الأمور السمعية المحضة التي لا مجال للعقل فيها بنفسه، فما وجدنا فيه نصًّا نتحدث به ونعتقده، وما لا نص فيه نكِل علمه إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا نتكلم به لعدم استقلال العقل فيه بنفسه دون نصّ» اهـ. بقي أن الجلال السيوطي وإن أنكر ذلك في فتاواه فقد ذكره في باب ما اختص به صلى الله عليه وسلم عن أمته في أواخر خصائصه الصغرى نقلاً عن رزين العبدري ولكن بلا سند وسكت عنه كالمقر له حتى نسبه بعضهم إلى الاضطراب والتردد، وبعضهم إلى السهو والنسيان، ولم يعرف أيّ الكتابين أسبق في التأليف حتى يعول عَلَى ما في الأخير منهما ويُعدّ رجوعاً منه عما في الأول، وقد حاوَل الشهاب الخفاجي في شرح الشفا التوفيق بين صنيعيه بقوله: «قلت: لا سهو ولا نسيان فإن السّيوطي رحمه الله تعالى لم ينكر هذه المعجزة، وإنما أنكر ما يؤثر بعينه في الأماكن التي ذكروها». قلنا: يصح ذلك لو أن السّيوطي اقتصر في فتاواه عَلَى إنكاره التأثير في شيء بعينه، ولكنه مع إنكاره ذلك في بعض أحجار معروفة أنكر أيضاً تلين الصخر وتأثير القدم الشريفة فيه عَلَى العموم، وهذا نصّ ما جاء في السؤال الذي أجاب عنه: «مسألة فيما هو جارٍ على ألسنة العامة، وفي المدائح النبوية، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لانَ له الصّخر وأثرت قدمه فيه، وأنه كان إذا مشى على التراب لا تؤثر قدمه فيه، هل له أصل في كتب الحديث أو لا؟ وهل إذا ورد فيه شيء من خرّجه؟ وصحيح هو أو ضعيف؟ وهل ما ذكره الحافظ شمس الدين بن ناصر الدمشقي في معراجه الذي ألفه مسجعاً ولفظه: «ثم توجها نحو صخرة بيت المقدس وعلاها، فصعد من جهة الشرق أعلاها، فاضطربت تحت قدم نبينا ولانت، فأمسكتها الملائكة لما تحركت ومالت» ألهذا أصل في كتب الحديث صحيح أو ضعيف أو لا» إلى آخر ما ذكر من السؤال عن أثر القدم الذي هناك، وعن أثر المرفق بمكة وغير ذلك، فأجاب عما ذكر بقوله: «لم أقف له على أصل ولا سند، ولا رأيت من خرجه في شيء من كتب الحديث». ا.هـ. وذهب العلاقة ابن العجمي في تنزيه المصطفى المختار إلى أن المعتمد ما ذكره في الفتاوى لأن العلماء يتحرون في فتاواهم أكثر مما يتحرون في المصنفات، وأما كتابه الخصائص فقد جمع فيه ما قيل إنه من الخصوصيات ولم يعتمد جميع ما فيه، ولكل مقام مقال. ا.هـ. ملخصاً. قلنا: وفي قوله هذا نظر، لأنه لو كان قَصَد في هذا الكتاب جمع ما قيل بلا اعتماد جميع ما فيه لنبه على ذلك في مقدمته أو خاتمته، والمرجح عندنا أن عدم تعقبه ما نقله عن رَزين بأنه لا أصل له ولا سند على ما قرره في فتاواه لم يكن إلا سهواً منه وجل من لا يسهو. والله أعلم. ولنختم هذا البحث بما ختم به هذا الفاضل رسالته «تنزيه المصطفى المختار» فقال: «لا يخفى على ذوي البصائر أن ما ذكر آنفاً جميعه من عدم ثبوت هذه الأحجار المعينة بمصر وغيرها، إنما الغرض منه تنزيه الجناب الرفيع الأعلى والمقام الأسنى عن أن ينسب إلى حماه الأجل الأحمى، ما لم يثبت عنه أصلاً، ولا ورد لا قولاً ولا فعلاً، فلا يتوهم عاقل ألبتة من نفي ذلك نقصاً معاذ الله وحاشا وكلا، بل ذلك يقتضي زيادة رفعته العظيمة، وأناقة منزلته الكريمة، بحيث لا يحام حول ذلك الحمى الأعظم، إلا بما ورد عنه صلى اللهُ عليه وسلم، ونصّ عَلَى ثبوته من يوثق به من الأئمة الحافظ الأعلام، جهابذة الإسلام». الخواجة وقد يرسمه بعضهم بألف في آخر بدل التاء لفظ فارسي دخيل في التركية ويرسم في اللغتين بهاء في آخره غير منطوقة وهو لقب تكريم عندهم يرادف الأغا والأفندي والسيد وما في معناها، ويطلق أيضاً على الأساتذة المعلمين ولاسيما المشايخ المعممين منهم وقد يحرف في هذا المعنى، فيقال فيه: خوجه يحذف الألف التي بعد الواو، وفي الفوائد البهية في تراجم الحنفية أن النقشبندية يطلقون الخواجة على مشايخهم للتكريم، ورأينا في بعض التواريخ تلقيب الوزراء به ثم لقب به كبار التجار واستعمل في ذلك إلى عصر الجبرتي ولما كثر نزوح الإفرانج إلى مصر في أوائل هذا العصر، وكان أغلب الوافدين منهم في أول الأمر تجاراً كرموهم بهذا اللقب ثم توسعوا فيه فأطلقوه على كل إفرنجي ثم قيل أيضًا للوجيه من غير المسلمين، وإن لم يكن إفرنجياً، وقد فصَّلنا الكلام عليه في معجم العامية المصرية. أي ماء الورد. هي المقبرة الشمالية الواقعة شرقي مساكن القاهرة وكان حدوثها في القرن الثامن وسميت بذلك لأنها أقرب المقابر للأزهر، وبها مدافن مجاوريه أي طلبته وفيها بقعة يكثر دفن علمائه بها تعرف ببستان العلماء، ولما توفي الشيخ المعتقد عبد الوهاب العفيفي المدرس بالأزهر سنة ١١٧٢ ودفن في مقبرة المجاورين سميت أيضًا بقرافة العفيفي. قال العلامة أحمد بن العجمي في تنزيه المصطفى المختار «لو كان للحجر الذي قيل: إن قايتباي اشتراه مجرد شائبة شهرة أيضاً لذكره الجلال السيوطي في ترجمته وعدّه في مناقبه فإنه كان في زمانه وأثنى عليه». لم يذكر أحد من المؤرخين فيما نعلم أن زوجته دفنت معه بالقبة، والمذكور أن الذي دفن معه ولده السلطان الملك الناصر أبو السعادات محمد، وإنما بجوار حجرة القبة حجرة سفلى بها بعض قبور شاع بين الناس أن زوجة السلطان مدفونة في إحداها، والذي يؤخذ من تاريخ ابن إياس أن المدفون بهذه الحجرة جاسم وأخوه جاني بك ابنا عم الناصر محمد بن قايتباي وأزبك الخاصكي، والثلاثة ممن قتل مع الناصر المذكور. لا يعرف أنه زار القدم أو دخل هذا المسجد وغاية ما ذكره ابن إياس عنه أنه لما خرج من القاهرة يوم الخميس ٢٣ شعبان سنة ٩٢٣ عائداً إلى بلاده سار بين الترب إلى بركة الحاج فلما مر بتربة الأشراف قايتباي وقف هناك وقرأ الفاتحة وأهداها إليه. من ذلك قول بعضهم: وعليك ظللت الغمامة في الورى والجذع حن إلى كريم لقاكا وكذاك لا أثر لمشيك في الثرى والصخر قد غاصت به قدماكا وقول الإمام البوصيري في الهمزية: أو بلثم التراب من قدم لانت حياء من مسها الصفواء: ويروى (من مشيها) قال العلامة ابن حجر الهيثمي في شرحه لهذا البيت: هذا الذي ذكره الناظم ذكره من تكلم على الخصائص لكن بلا سند. الخُنكار بضم فسكون معناه في التركية السلطان، وهو تحريف أو اختصار للفظ خدا وندكار بمعنى السلطان في الفارسية. قوله ابن عثمان هي نسبة إلى جدهم الأعلى لأن السلطان مراداً المذكور هو ابن سليم بن سليمان بن سليم إلى أن ينتهي النسب إلى عثمان، وكثيراً ما يعبر المؤرخون عن كل سلطان منهم بابن عثمان. قوله (وسيره) هو المنقوش على القبة كما رأيناه والذي في نسخ فتح المتعال التي اطلعنا عليها (وصيره) بالصاد، وقوله القسطنطنية هو بحذف الياء التي بعد الطاء الثانية لضرورة الوزن. هو المنقوش على القبة، والذي في نسخ فتح المتعال (وراجعه) وهو تحريف. نقلها عنه أيضاً أبو العباس أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي في رحلته إلى الحجاز. وذكره الأسدي بعبارة مختصرة في إخبار الكرام بأخبار المسجد الحرام، وذكر كذلك الأثر الذي بغار المرسلات. لعله الذي سماه التقي الفاسي بالمتكأ في شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام إنْ لم يكن مراده بالمتكأ أثر المرفق أو شيئاً آخر غيرهما، وقد ذكر أنهما اثنان أحدهما بقرب باب الحرم المعروف بباب العمرة، والثاني في طريق التنعيم المعتادة، وقال: لعلهما سميا بذلك للراحة بالاتكاء عندهما من تعب السير إلى العمرة، ولم يذكر أنهما نبويان وذكر متكأ آخر منسوباً إليه صلى الله عليه وسلم بأجياد الصغير وهو دكة مرتفعة ملاصقة لدار شيخ الحجبة ومتكأ رابعًا بجهة أخرى من أجياد الصغير، ذكره الأزرقي وقال فيه: سمعت جدي أحمد بن محمد ويوسف بن محمد بن إبراهيم يسألان عن المتكأ، وهل صح عندهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اتكأ فيه؟ فرأيتهما ينكران ذلك ويقولان: لم نسمع به من ثبت». البَرَنيل كحزنبل أي بفتحتين فسكون ففتح، وإطفيح كإزميل أي بكسر الأول وهو اسم قرية مشهورة على ما في شرح القاموس للزبيدي. منه نسخة حسنة الخط كتبت سنة ٩٠١ بالخزانة البلدية بالإسكندرية مجلدة مع فضائل الشام لابن رجب الحنبلي ورقمها (١٣٥١ – د). اعتمدنا في نقل ذلك على نسخة مخطوطة من هذه الرحلة أوفى بكثير من المطبوعة بمطبعة الإخلاص. أي المعرفة بالفتاوى الحديثية لا فتاواه الفقهية الكبرى، وقد حذف العلامة الحفني من السؤال قول السائل: «وأنه لم يعط نبي معجزة إلا أعطى نبينا صلى الله عليه وسلم مثلها أو واحداً من أمته» لأنه غير داخل فيما أنكره المسئول، بل أجاب عنه بقوله: «والتحقيق أنه لم يعط نبي معجزة إلا أعطى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مثلها أو أعظم منها».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج10. تاريخ الطبري/الجزء العاشر

تاريخ الطبري/الجزء العاشر  بسم الله الرحمن الرحيم ثم دخلت سنة إحدى وسبعين ومائتين وأولها يوم الاثنين للتاسع والعشرين من حزيران، ولخم...