دعاء فك السحر

اللهم إنك قد أقدرت بعض خلقك علي السحر والشر -- ولكنك احتفظت لذاتك بإذن الضر -- فأعوذ بما احتفظت به من ما اقدرت عليه بحق قولك وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله

Translate

الأحد، 25 أغسطس 2024

ج2.من اول الآثار التي بالقسطنطينية الي اخر الخاتمة

 

ج2.الآثار التي بالقسطنطينية 

 هي المعروفة عند الأتراك بالأمانات المباركة، ولم تزل محفوظة إلى اليوم بقصر طوبقبو بالقسطنطينية، وكان بنو عثمان يبالغون في تعظيمها، ويعدونها من مفاخر دولتهم، والذي يذكره عنها مؤرّخو الترك، أنها كانت عند الشرفاء أمراء مكة، فلما استولى السلطان سليم عَلَى مصر سنة ٩٢٣هـ طلبها من الشريف بركات أمير مكة وقتئذ، فبعث بها إليه مع ولده أبي نُمَيّ، فحملها السلطان إلى القسطنطينية في عودته إليها؛ وذهب بعضهم إلى أنها كانت عند الخلفاء العباسيين الذين كانوا بمصر فتسلمها السلطان من آخرهم، وهو المتوكل على الله محمد بن يعقوب1 بل ربما تجد هذا الخلاف في الكتاب الواحد فترى الرأي الأول في موضع منه ثم ترى الثاني في موضع آخر بلا تنبيه أو إشارة، غير إن أكثرهم على الرأي الأول، والظاهر أن الرأي الثاني مبني على الاستنتاج لا عَلَى النقل لتوهمهم أن وجود الآثار النبوية عند الخلفاء من مستلزمات الخلافة ومكملاتها، فلما عاد السلطان سليم من مصر بالخليفة والآثار، ظنوا أنه تسلمها منه. وليس في التواريخ العربية التي بأيدينا ذكر لهذه الآثار ولا إشارة إليها سوى أن ابن إياس لما ذكر قدوم ابن الشريف بركات على السلطان سليم بمصر قال عنهُ: «وأحضر صحبته تقادم فاخرة» والمراد بالتقادم الهدايا، فلعل هذه الآثار كانت منها، ولكن سكوته عن الإفصاح عنها — مع ما لها من الشأن وجلالة القدر — لا يخلو من نظر. والذي استخلصناه عن الشريف بركات هذا من تواريخ الحجاز أنه بركات بن محمد بن بركات، ولد بمكة سنة ٨٦١، وسافر إلى القاهرة سنة ٨٧٨، ورجع شريكاً لوالده في الإمارة، ثم استقل بها بعد وفاته سنة ٩٠٣، ثم ثار عليه أخواه: الشريف هزّاع والشريف أحمد الملقَّب بالجازاني سنة ٩٠٤، ووقعت بينهم حروب آلت إلى ورود مرسوم السلطان الغوري من مصر بتولية هزّاع الإمارة فتولاها إلى أن توفي سنة ٩٠٧، فتولاها بعده أخوه أحمد، ثم ورد المرسوم من مصر بإعادة بركات فأعيد، ووقعت بينه وبين أحمد حروب وأهوال في أثناء سنة ٩٠٨ ثم وصلت جنود من مصر في ذي القعدة من تلك السنة فمال قائدها مع أحمد وأعاده وقبض على بركات وجماعة من الأشراف وجعلهم في الحديد وعاد بهم إلى مصر بعد نهب دورهم، فتألَم السلطان الغوري لذلك وأمر بإطلاقهم وإكرامهم، ثم فرّ بركات في أواخر هذه السنة أو في سنة ٩٠٩ فألفى أخاه أحمد قد قتل، وتولى بعده أخوه حميضة، ثم عاد بركات إلى الإمارة، ووصله مرسوم الغوري سنة ٩١٠، وضخم ملكه وفوض إليه أمر الحجاز جميعه، ثم شاركه في الحكم ولده أبو نُمَيّ وهو صغير بأمر الغوري، ولما استولى السلطان سليم عَلَى مصر سنة ٩٢٣، أرسل إلى الشريف بركات يطلب دخوله في الطاعة، فأجاب، وأرسل ولده أبا نُمَيّ فقابل السلطان ولقي منه إكراماً، ثم أعاده إلى والده شريكاً له في الإمارة كما كان إلى أن توفي والده سنة ٩٣١، فتولاها أبو نُمَيّ منفرداً، وكانت ولادته ليلة ٩ ذي الحجة سنة ٩١١، ووفاته سنة ٩٩٢ عن ثمانين سنة. ا.هـ. وقد ذكر ابن إياس قدومه إلى مصر وعودته منها ومقابلته للسلطان سليم في حوادث سنة ٩٢٣ فقال في حوادث جمادى الآخرة منها ما نصه: «وفي يوم الأحد خامس عشرة، حضر إلى الأبواب الشريفة ابن السيد الشريف بركات أمير مكة، وكان سبب حضوره أنه أتى ليهنئ ابن عثمان بمملكة مصر وأحضر صحبته تقادم فاخرة وحضر صحبته بيبردي بن كسباي أحد أمراء العشراوات الذي كان باش المجاورين بمكة». اهـ. وقال في حوادث رجب من تلك السنة: «وفي يوم الخميس رابعه خرج إلى السفر ابن السيد الشريف بركات أمير مكة فتوجه إلى وطاقه2 الذي الذي بالريدانية3 فكان له موكب حافل، وخلع عليه السلطان قفطان4 تماسيح مُذهب وقدّامه الرماة بالنّفط، وخرج صحبته غالب الحجازيين الذين كانوا بالقاهرة، وقد أشار عليه السلطان بأن الحجازيين الذين بالقاهرة تخرج صحبته إلى إستنبول، وأشيع أن السلطان سليم شاه كتب مراسيم للسيد الشريف بركات أمير مكة بأن يكون عوضاً عن الباشا الذي بها وجعله هو المتصرف في أمر مكة قاطبة وأضاف له نظر الحسبة بمكة أيضاً وأنصفه غاية الإنصاف، وتزايدت عظمة السيد بركات الشريف إلى الغاية، وأكرم ولده غاية الإكرام». مكانها ورسوم زيارتها: لما عاد السلطان سليم من مصر إلى القسطنطينية بهذه الآثار جعلها في مسكن الحُرم بقصر طوبقبو حتى هيأ لها حجرة خاصة بهذا القصر نقلها إليها ووكل بها من يقوم بخدمتها، وكان يحتفل بزيارتها مع عظماء دولته في شهر رمضان، والغالب أن يكون ذلك في منتصفه، وسن لهذه الزيارة نظاماً ورسوماً مفصلة في التواريخ التركية، ثم لما تولى السلطان مراد بن أحمد سنة ١٠٣٢ - وهو المعروف عندهم بمراد الرابع - نقل الآثار إلى حجرة أخرى خصها بها في هذا القصر وأبقى نظام زيارتها كما هو، وما زال كذلك إلى أن أبطله السلطان محمود بن عبد الحميد المعروف بمحمود الثاني سنة ١٢٤٠، واستعاض عنه بنظام آخر بقي متبعًا عندهم إلى انقراض دولتهم بخلع الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز، وإخراج أسرة بني عثمان من المملكة سنة ١٣٤٢، وكانت لهم عناية كبيرة في الاحتفال بهذه الزيارة في منتصف شهر رمضان بحضور السلطان ووزرائه وعظماء دولته، ويسمونها زيارة الأمانات المباركة، أو زيارة الخرقة الشريفة، أو خرقة السعادة، لأن بينها قطعة من ثوب يزعمون أنها البردة التي وهبها صلى الله عليه وسلم لكعب بن زهير رضي الله عنه5. وما زالت هذه الآثار إلى اليوم في حجرتها بهذا القصر محفوظة في صناديق من الفضة المذهبة. بيانها: في هذه الآثار ما هو منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفيها ما هو منسوب إلى بعض الأنبياء عليهم السلام أو بعض الصحابة رضي الله عنهم، وهي كثيرة لم يذكر أصحاب التواريخ التركية إلا أهمها، وقد رأينا أن نسردها على علاتها كما سردوها، ثم نعقبها ببيان رأْينا فيها، وهي: سنٌّ من الأسنان النبوية، نعلان نبويتان، خرقة السعادة وهي عَلَى زعمهم البردة التي وهبها صلى الله عليه وسلم لكعب بن زهير، حجر عليه أثر القدم الشريفة، السجادة النبوية، قبضة سيف من السيوف النبوية، القوس النبوية، اللواء النبوي، ماء من الغُسْل النبوي، قِدْر منسوبة لنوح عليه السلام، مِرجل كان لخليل الله إبراهيم عليه السلام، سيف داود عليه السلام، عصا شعيب عليه السلام، قميص يوسف عليه السلام، ميزاب من الذهب كان بالكعبة المعظمة6، غطاء باب التوبة7 (ولعله حلية كانت عليه)، حلية من الفضة كانت عَلَى مقام إبراهيم عليه السلام بالحرم المكي، قطعة من الخزف، سجادة الصديق رضي الله عنه، عمائم الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم وسيوفهم وراياتهم وسبحاتهم، قبضات ستة سيوف من سيوف العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم، رايتا الحسن والحسين عليهما السلام، سيف جعفر الطيار رضي الله عنه، سيف خالد بن يزيد من الصحابة (ولعلهم يريدون خالد بن الوليد رضي الله عنه) سيف شُرَحبيل بن حَسنة أحد الأصحاب رضي الله عنه، سيف مُعاذ بن جبل من الأصحاب رضي الله عنه، تاج أُوَيس القَرَني رضي الله عنه، مصحف يزعمون أنه بخط الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، مصحف يزعمون أنه بخط عثمان رضي الله عنه، مصحف بخط زين العابدين من الصحابة (ولعلهم يريدون الإمام علياً زين العابدين ابن الإمام الحسين عليهما السلام ولم يكن من الصحابة؛ لأنه ولد في خلافة جدّه). هذا ما سردوه في تواريخهم في بيان أهم الأمانات المباركة، وذكروا أيضاً في كلامهم عَلَى إمارة مكة أَن الشريف أرسل إلى السلطان مع هذه الأمانات بمفاتيح مكة إشارة إلى دخوله في طاعته وتسليمه البلد إليه، ويذكرون في خبر تَولي السلطان مراد بن أحمد الملك سنة ١٠٣٢، وهو المعروف بمراد الرابع، أنهم احتفلوا في اليوم التالي ليوم مبايعته بتقليده السيف فقلدوه سيفين أحدهما سيف نبويّ والآخر سيف السلطان سليم بن بايزيد، وأنه لاث يومئذ عَلَى رأسه عمامة يوسف عليه السلام المجلوبة من مصر من خزانة السلطان الغوري، وكان المعروف أن بين هذه الآثار شعرات نبوية سنفصل الكلام عليها في فصل الشعرات الشريفة. حكمها: لا يخفى أن بعض هذه الآثار محتمل الصحة، غير أنا لم نر أحداً من الثقات ذكرها بإثبات أو نفي، فالله سبحانه أعلم بها، وبعضها لا يسعنا أن نكتم ما يخامر النفس فيها من الريب ويتنازعها من الشكوك، ولا سيما فيما نسب للأنبياء نوح والخليل وداود وشعيب ويوسف، صلوات الله وسلامه عليهم مع بعد العهد وتقادم الزمن، وكذلك السبح المنسوبة للخلفاء الأربعة، فإن السبح بهذا الشكل المعروف لم تكن حدثت في ذلك العصر، وإنما كانوا يعدون التسبيح بالأنامل وبالنوى والحصا وعَقْد العُقَد في الخيوط كالخيط الذي كان لأبي هريرة رضي الله عنه، وقد جمع الإمام السيوطي جزءاً في ذلك سماه «المنحة في السبحة» وهو مفيد فليراجع، ومما يتوقف فيه زعمهم في المصحفين أنهما بخط الإمامين علي وعثمان رضي الله عنهما، وقد تقدم في فصل الآثار النبوية التي بمصر ذكر مصحف معها قيل إنه بخط أمير المؤمنين أيضاً، وآخر قيل إنه بخط ذي النورين، وأشرنا هناك إلى استبعادنا صحة ذلك، والله أعلم. أما مفاتيح مكة التي ذكروها فلا ندري أأُرجعت أم عملت لمكة مفاتيح غيرها، فإن مفاتيحها حملت إلى دار الملك مرة أخرى سنة ١٢٢٨ بعد انتزاع الحجاز من الوهابية مدة العزيز محمد عليّ، وكان أرسل بها مع مملوكه لطيف أغا مبشراً بالفتح، وذكر الجبرتي خبر وصوله إلى القسطنطينية واحتفالهم به بما نصه: «وعند دخوله إلى البلدة عملوا له موكباً عظيماً مشى فيه أعيان الدولة وأكابرها وصحبته عدة مفاتيح زعموا أنها مفاتيح مكة وجدة والمدينة، وضعوها على صفائح الذهب والفضة، وأمامها البخورات في مجامر الذهب والفضة والعطر والطيب، وخلفهم الطبول والزمور، وعملوا لذلك شنّكاً ومدافع، وأنعم عليه السلطان وأعطاه خلعاً وهدايا وكذلك أكابر الدولة، وأنعم عليه الخنكار بطوخين8 وصار يقال له: لطيف باشا» اهـ. وكانت نهاية لطيف باشا هذا أنه عاد إلى مصر مزوّداً من رجال الدولة بإثارة فتنة تنتزع فيها مصر من العزيز محمد علي وهو غائب بالحجاز ويولى هو عليها، فأحس بذلك محمد بك لازأُوغلي كتخدا مصر أَي وزيرها، وتدارك أمره قبل استفحاله فقبض عليه وقتله في ذي الحجة سنة ١٢٢٨، ولهذا لما أراد خديو مصر العزيز إسماعيل بن إبراهيم إقامة تمثال لجده محمد علي بالإسكندرية وآخر لأبيه إبراهيم بالقاهرة، أَقام أَيضاً بالقاهرة تمثالاً لسليمان باشا الفرنساوي لتنظيمه الجيش وآخر لمحمد بك لازأوغلي لحفظه مصر لهم، ولهذا جعلوه ماداً ذراعه يشير بإصبعه إلى الأرض كناية عن تثبيته ملكهم بأرض مصر، ولم يكونوا وجدوا له صورة يصوغون التمثال عليها فأرشدهم وقتئذ أحد من أدركه إلى تاجر تركي بخان الخليلي يشبهه فصاغوا التمثال عَلَى مثاله، وهو قائم الآن في ميدان بشارع الدواوين يسمى بميدان لازأُوغلي وكانت وفاته سنة ١٢٤٣ ودفن حسب وصيته في قبة الشيخ يوسف بشارع القصر العيني عن يمين المار به إلى مصر العتيقة، ودفنت بجواره زوجته المتوفاة سنة ١٢٥٠، وليس في القبة غير هذه القبور: قبر الشيخ يوسف في الشمال، ويليه قبر المرحوم محمد بك في وسط القبة ثم قبر زوجته، وفي جنوبي هذه القبة قبة مثلها ليس بها قبور، جعلت الآن مسجداً، وموضع التمثال لا يبعد كثيراً عن القبتين. هو آخر الخلفاء العباسيين بمصر بل آخرهم على الإطلاق وبموته انقرضت خلافتهم من الدنيا، وكان السلطان سليم العثماني بعد فتحه مصر أخذه معه إلى دار ملكه واعتقله بها ثم عاد بعد وفاته إلى مصر وأقام بها منعوتاً بالخليفة وبأمير المؤمنين إلى أن توفي في ولاية داود باشا سنة ٩٥٠ فما جاء في التاريخ التركي المسمى (علاوەلى أثمار التواريخ) من وفاته بالقسطنطينية ودفنه بجوار أبي أيوب الأنصاري غير صحيح فإن المدفون هناك أحد أقاربه الذين سافروا معه، وذكر قطب الدين الحنفي في الإعلام بأعلام بيت الله الحرام أن المتوكل هذا كان فاضلاً أديباً وأنه اجتمع به في رحلته إلى مصر لطلب العلم سنة ٩٤٢ وأخذ عنه وأورد من شعره قوله مضمناً شطراً من لامية الطغرائي: لم يبق من محسن يرجى ولا حسن ولا كريم إليه مشتكى حزني وإنما ساد قوم غير ذي حسب (ما كنت أوثر أن يمتد بي زمني) وتمامه: (حتى أرى دولة الأوغاد والسفل). الوطاق محرف عن أوتاق وهو بالتركية الخيمة الكبيرة التي للعظماء، والمراد هنا مخيم الركب. الريدانية شمالي القاهرة وتسمى الآن العباسية نسبة إلى عباس باشا الكبير والي مصر المتوفى سنة ١٢٨٠ وكان بنى بها قصراً لسكنه وثكنات للجند ومدرسة لتعلم الضباط ثم امتد عمرانها بعد ذلك واتصلت أبنيتها بالقاهرة وصارت قسماً منها. القفطان - بضم فسكون على ما تنطق به العامة بمصر لباس معروف يلبس تحت الجبة وأصله في التركية قفتان بفتح فسكون وفي الفارسية خفتان بفتح فسكون أيضاً، وقد رأيناه مستعملاً في عبارات المؤلفين وفي أشعار المولدين بالخاء كقول المسعودي في مروج الذهب عن يعقوب بن الليث الصفار: «وأكثر لباسه خفتان مصبوغ فاختي» وورد كذلك في شعر السلامي والوأواء الدمشقي من شعراء اليتيمة وغيرها. تقدم في فصل البردة والقضيب أن القرماني ذكر هذه البردة في تاريخه (أخبار الدول) وقال: إنها عند سلاطين آل عثمان يتباركون بها ويسقون ماءها لمن به ألم فيبرأ بإذن الله، وأن السلطان مراداً اتخذ لها صندوقاً من ذهب تعظيماً لها وتوقيراً، وقد بينا هناك ما وقع في كلامه من الوهم عن مصير هذه البردة إلى بني عثمان فليراجع. لعله مفتاح قديم لها فإن مفاتيح الكعبة عند بني شيبة، وكان يعمل لها بمصر كيس من الديباج الأخضر المطرز يرسل به إلى مكة من الكسوة ويجدد كل سنة. باب التوبة باب صغير بالكعبة المعظمة يفضي إلى سلم يصعد عليه إلى سطحها. الطوخ يقال له في التركية (توغ) بالتاء والغين المعجمة وهو دخيل فيها من الفارسية، وكان قديماً في الدولة العثمانية من الشارات الخاصة بذوي الرتب من رجالها، وهو خصلة من ذنب الفرس تعلق على رمح يرفع على رأس العظيم منهم، وكان الرسم أن يكون لأمير اللواء توغ واحد على الرمح فإذا كان أميرًا للأمراء علق على رمحه توغان وكان للوزير ثلاثة وللصدر الأعظم خمسة وللسلطان في زمن الحرب سبعة. ----------------- الشعرات الشريفة قال العلامة ابن العجمي في تنزيه المصطفى المختار: «ثبت في الصحيحين بروايات متعددة أن النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه الشريف في حجة الوداع وقسم شعره أو أمر أبا طلحة وزوجته أم سُلَيم بقسمته بين الصحابة الرجال والنساء الشعرة والشعرتين. قال العلامة ابن حجر فيه: إنه يسن بل يتأكد التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم وسائر آثاره» انتهى. وذكر القسطلّاني الروايات في ذلك عن الشيخين في كلامه على حجة الوداع من المواهب اللدنية وجاء في شرحها لسيدي محمد الزرقاني أن روايات الشيخين في ذلك من طرق مدارها على محمد بن سيرين عن أنس وأنه صلى الله عليه وسلم قسم شعره بين أصحابه ليكون بركة باقية بينهم وتذكرة لهم، وكأنه أشار بذلك إلى اقتراب الأجل، وخص أبا طلحة بالقسمة التفاتاً إلى هذا المعنى لأنه هو الذي حفر قبره ولحد له وبنى فيه اللبن. انتهى. وفي كتاب الشمائل من المواهب اللدنية المذكورة ما نصه: «وعن أنس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وأطاف به أصحابه فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل. رواه مسلم». وفي الشرح أن ذلك كان في حجة الوداع، ثم قال في المواهب: «وعن محمد بن سيرين قال: قلت لِعَبيدة عندنا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم أصبناه من قِبَل أنس أو من قِبَل أهل أنس فقال: لأن تكون عندي شعرة منه أحب إلي من الدنيا وما فيها. رواه البخاري». وفي الشرح: أن وجه حصوله لمحمد أن سيرين والده كان مولى أنس، وأنس ربيب أبي طلحة وكان أول من أخذ من شعره كما في الصحيح. انتهى. قلنا: وسبب كونه ربيبه أن أم سليم بنت ملحان بن خالد الأنصارية كانت متزوجة بمالك بن النضر في الجاهلية فولدت منه أنساً هذا وهو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تزوجها بعده في الإسلام أبو طلحة فما أصابه ابن سيرين من الشعر الشريف إنما وصل إلى أنس مما كان عند أمه أو زوجها أبي طلحة. وفي البداية والنهاية لابن كثير عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال: دخلنا عَلَى أم سلمة فأخرجت لنا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو أحمر مصبوغ بالحناء والكتم. رواه البخاري. انتهى. وفي رواية أخرى أنها كانت خمس شعرات حمر. وفي حديث رواه الإمام البخاري أيضاً في باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم أن ربيعة بن أبي عبد الرحمن رأى شعراً من شعره فإذا هو أحمر، فسأل فقيل: أحمر من الطيب. وفي الخصائص الصغرى للإمام السيوطي المسماة بأنموذج اللبيب أنه صلى الله عليه وسلم قسم شعره عَلَى أصحابه، وقال في خصائصه الكبرى: «أخرج سعيد بن منصور وابن سعد وأبو يعلى والحاكم والبيهقي وأبو نعيم عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه أن خالد بن الوليد فقد قلنسوة له يوم اليرموك فطلبها حتى وجدها وقال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه فابتدر الناس جوانب شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة فلم أشهد قتالاً وهي معي إلا رزقت النصر». وفي فصل تحقيق الإسراء والمعراج من نسيم الرياض شرح شفا القاضي عياض للعلامة شهاب الدين الخفاجي أن معاوية رضي الله عنه كان عنده إزار رسول الله صلى الله عليه وسلم ورداؤه وشيء من شعره وظفره فكُفّن بردائه وإزاره وحشى شعره وظفره بفيه ومنخره بوصية منه. انتهى. قلنا: فما صح من الشعرات التي تداولها الناس بعد ذلك فإنما وصل إليهم مما قسم بين الأصحاب رضي الله عنهم، غير أن الصعوبة في معرفة صحيحها من زائفها، وسنورد ما اتصل بنا من أخبارها كما بلغنا وعلى ما رأيناه مسطوراً، تاركين للقراء الكرام الحكم فيها بما تطمئن إليه نفوسهم. الشعرات الواردة في الأخبار شعرة كانت عند المرشديّ بمكة: ذكرها العلامة السخاويّ في الضوء اللامع في ترجمة أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بالمرشديّ المولود سنة ٧٦٣ بمكة والمتوفى بالمدينة سنة ٨٢٩ فقال عنه: «كان خيِّراً ديناً ورعاً زاهداً متجمعاً عن الناس، زار النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من خمسين سنة مشياً عَلَى قدميه، وكذا زار بيت المقدس ثلاث مرار ولقي بها رجلاً صالحاً كانت عنده ست شعرات مضافة للنبي صلى الله عليهِ وسلم ففرقها عند موته عَلَى ستة أنفس بالسوية كان هذا أحدهم كما سبق في ترجمة ولده عمر». انتهى. والصواب أنه فرّقها عَلَى ثلاثة أنفس لا ستة عَلَى ما ذكره في ترجمة ولده المذكور عمر بن محمد المرشديّ المتوفى سنة ٨٦٢ فإنه قال فيها: «وكانت عنده شعرة مضافة للنبي صلى الله عليه وسلم تلقاها عن أبيه المتلقى لها عن شيخ ببيت المقدس كانت عنده ست شعرات ففرقها عند موته بالسوية على ثلاثة أنفس هو أحدهم فضاعت شعرة منهما وقد تبركت بها عنده سنة ست وخمسين». انتهى. ومراده أنه تبرك بها في مكة لما حج، ثم ورث هذه الشعرة أبو حامد المرشدي عن أبيه عمر المذكور، وذكرها السخاوي في ترجمته بالضوء اللامع في باب الكنى؛ لأن كنيته اسمه وهو أبو حامد بن محمد المرشدي المولود تقريباً سنة بضع وخمسين وثمان مائة قال السخاوي: «وهو خيِّر متعبد زائد الفاقة عنده شعرة منسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم ورثها من أبيه». قلنا: وقد زار العلامة القسطلاني هذه الشعرة وذكرها في كتاب الشمائل من المواهب اللدنية فقال: «وقد رأيت بمكة المشرفة في ذي القعدة سنة ٨٩٧ شعرة عند الشيخ أبي حامد المرشدي شاع وذاع أنها من شعره صلى الله عليه وسلم زرتها صحبة المقام الغَرسي خليل العباسي وَالى الله إحسانه عليه». شعرة أخرى كانت بمكة: ذكرها ابن العجميّ في تنزيه المصطفى المختار نقلاً عن العلامة ابن حجر الهيثمي ونص عبارته: «بمكّة شعرة من شعره المكرم مشهورة تزار، واتفق الخلف عن السلف أنها من شعره صلى الله عليه وسلم». انتهى. ولا ندري أهي الشعرة التي كانت عند آل المرشديّ أم غيرها؟ ثم استطرد إلى ذكر فتوى لابن حجر عن شعرة كانت عند أخوين آثرنا نقلها لتضمنها خبر إحدى الشعرات النبوية، ونصّ ما قال: «وأفاد في فتاويه أنه سئل عن شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم على ما قيل كانت عند أَخوين يزورها الناس وما يحصل من الفتوح يقسم بينهما، ثم ماتا فهل إذا طلب ورثتهما قسمتها تقسم كما فعل بعض جدودهم ذلك وقَسَمها أم لا؟ فأجاب بقوله هذه الشعرة الشريفة لا تورث ولا تملك ولا تقبل القسمة، فالمذكورون مستوون في الاختصاص بها والخدمة لها لا تمييز لأحد منهم على أحد». انتهى. شعرات كانت بتونس: أفادنا عنها عَلَم من أعلام تونس الثقات، وكانت بثلاثة أماكن: أحدها: قبر الصحابيّ الجليل سيدي أبي زَمْعة البلويّ1 دفين القيروان، وكان أخذ من الشعرات الشريفة يوم منى في عام حجة الوداع لما حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، ووضعها أبو زمعة في قلنسوته إلى أن استشهد في القيروان فدفنت معه. قلنا: وقد راجعنا ترجمته في معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان للعلامة عبد الرحمن بن محمد الدباغ فرأينا بها ما نصه: «ومات بالقيروان ودفن بالبقعة التي تعرف الآن بالبلوية سميت به من ذلك الوقت، وأمرهم أن يستروا قبره ودفن معه قلنسوته وفيها من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً، وذكره الشيخ أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن رشيق في كرامات أهل إفريقية. قلت: ونعرف من حفظي أنه كان فيها ثلاث شعرات وأنه أوصى أن تعمل شعرة على عينه اليمنى وشعرة عَلَى عينه اليسرى وشعرة عَلَى لسانه». انتهى. الثاني: قال الوزير السراج الأندلسي ثم التونسي: تواتر الخبر بأن بدار الأشياخ بتونس شعرات من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي الآن بالزاوية البرانية بخارج باب قرطاجنة المعروفة بزاوية وليّ الله المرجاني، قال ابن الدباغ: أراني إياها حفيده أبو فارس عبد العزيز فتبركت بها، وبها براءة قديمة مكتوب فيها صحة كونها من شعره صلى الله عليه وسلم، وبها أثر صفرة، قال: وكان شيخنا أبو صالح البطريني يصحح لنا كون ذلك حقاً. الثالث: قال الوزير: ومن الأماكن أيضاً ما حدثني والدي حفظه الله تعالى أن الشيخ أبا شعرة المدفون بالزلاج وقبته معروفة، وحولها فضاء مسور به شجر زيتون، وإنما سمي أبا شعرة لقضية وهي أنه كان حرفته البناء، فقادته أزمة السعادة أنه اصطنع لبعض الأكابر بناءات ضخمة تجمع له في أجرها مال ذو بال، وكان في بعض خزائن صاحب البناءات شعرة من شعرات نبينا صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو شعرة: أعطني الشعرة الكريمة وأبرأك الله من جميع ما ترتب لي بذمتك فأعطاه إياها فأوصى بدفنها معه، فدفنت معه. تواتر النقل بذلك عند أهل تونس. انتهى. شعر كان عند الخلاطي بمصر: ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في ترجمته بالدرر الكامنة فقال: إنه عليّ بن محمد بن الحسن الخلاطيّ الحنفي القادوسي المتوفى سنة ٧٠٨، وكان يقال له الركابي لزعمه أن عنده ركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وكان يزعم أيضاً أن عنده من شعره. انتهى باختصار، وستأتي ترجمته بنصها في فصل الركاب النبوي. شعرة كانت بمدرسة ابن الزمن بمصر: قال العلامة السخاوي في ترجمته بالضوء اللامع: إنه شمس الدين محمد بن عمر بن محمد بن عمر الزمن القرشي الدمشقي ثم القاهري الشافعي المعروف بابن الزمن المولود سنة ٨٢٤ والمتوفى سنة ٨٩٧، وكان مشتغلاً كأَبيه بالتجارة واجتمع بعلماء كثيرين ذكرهم، ثم قال: «وكذا لقي غير واحد من الصالحين، ووقع له مع بعضهم غرائب وكرامات انتفع بها، وأعطاه شخص منهم يسمى بير جمال2 الشيرازي شعرة تنسب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إنها عنده، وكذا أحضر له من خيبر بعض الأحجار المنسوب أن بها أثر القدم الشريفة، وكتاب قيل إنه بخط أحد كتاب الوحي، والكل محفوظ بالمدرسة التي شرع في إنشائها بشاطئ بولاق». انتهى. شعرات كانت بجامع برسباي بالخانقاه: وهي قرية بمصر شمالي القاهرة عَلَى بريد منها تعرف بخانقاه سرياقوس لقربها من سرياقوس، وكان السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون أنشأ في هذا المكان خانقاهاً للصوفية ومسجداً وحماماً وغير ذلك سنة ٧٢٣ ثم رغب الناس في السكنى حول هذه الخانقاه وبنوا الدور والحوانيت حتى صارت بلدة كبيرة ما زالت باقية إلى اليوم وتسميها العامة: الخانكة. ثم لما تولى السلطان الملك الأشرف برسباي التركماني عَلَى مصر سنة ٨٢٥ وسافر إلى آمد لقتال ملكها سنة ٨٣٢ نزل بمكان خال من هذه البلدة فنذر إنْ أحياه الله وظفره بعدوه ورجع سالماً ليعمرن في هذا المكان مدرسة وسبيلاً، فلما ظفر بعدوه ورجع أنشأ هناك جامعًا عظيماً3 مفروشة أرضه بالرخام الملون، وبنى بجواره سبيلاً، قال الإسحاقي في تاريخه «لطائف أخبار الأول»: وقيل: إن بمحراب الجامع المذكور تسع شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، وفي معنى ذلك قال الشاعر: الأشرف السلطان عمر جامعاً بالخانقاه ليرتحمْ4 بثوابه وأتى بآثار النبي محمد شعراته قد قيل في محرابه وإمامه بين البرية محسن وكذا القضاة مع الشهود ببابه انتهى. ولما وصل العلامة عبد الغني النابلسي إلى مصر في رحلته إليها في أوائل القرن الثاني عشر مر على بلدة الخانقاه ونزل بها وذكرها في «الحقيقة والمجاز في رحلة الشام ومصر والحجاز» وذكر مدرسة الأشرف برسباي بقوله: «وفي البلدة المذكورة جامع السلطان الملك الأشرف وهو جامع عظيم، له قدر بين الجوامع جسيم، وذلك أن في محرابه شعرات مدفونة من شعرات الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وقد أنشدنا فيه بعض الناس من الجزل، لبعض أصحاب الرقة والغزل، قوله: بلدة الخانقاه مذ قد تجلت قد حلت وانجلت حلاها السنية مذ بدت في الورى عروس حلاها نقطوها الملوك بالأشرفية5» اهـ. شعرات كانت عند منجك اليوسفي: ذكرها النعيمي في تنبيه الطالب وإرشاد الدارس إلى ما بدمشق من الجوامع والمدارس في كلامه على المدرسة المنجكية التي أنشأها للحنفية الأمير سيف الدين منجك اليوسفي الناصري المتوفى بالقاهرة سنة ٧٧٦، وكان مملوكاً للناصر محمد بن قلاوون وتنقلت به الأحوال فولي عدة ولايات كنيابة طرابلس وحلب ودمشق وصفد، ثم طلب إلى القاهرة وولي نيابة المملكة إلى أن توفي بها. قال النعيمي في ذكر مناقبه: «ومن سعادته أنه ظفر بشعر من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يزال معه وكان حسن الملتقى سيما لأهل العلم» ومثله في مختصر هذا الكتاب للشيخ عبد الباسط العلمويّ. اسمه عبد غير مضاف إلى الله، وقيل عبيد بالتصغير ابن أرقم البلوي ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة وابن الأثير في أسد الغابة في عبد وفي عبيد، قالا وهو مشهور بكنيته. ثم ترجماه في الكنى وقال الحافظ ابن حجر: وقيل اسمه عبيد بن آدم، والذي في معالم الإيمان عبيد الله بن آدم. البير بكسر الباء الأعجمية يطلق على الشيخ المسن في التركية، وهو دخيل فيها من الفارسية، ويطلق أيضًا على الشيخ من مشايخ الصوفية الأعاجم وهو المراد هنا. كانت دروس العلم تلقى بالمساجد وما خصص منها لذلك كان يعبر عنه تارة بالمسجد وبالجامع وتارة بالمدرسة. سكن آخره لضرورة الوزن. قوله (نقطوها) أتى بها على لغة أكلوني البراغيث، وفي بعض كتب الأدب (نقطتها) والتنقيط عند العامة إهداء التحف للعروس ليلة عرسها والإنعام على المغنين بالجوائز والاسم منه النقطة بضم فسكون. وفي قوله الأشرفية تورية لأنها كما يراد بها المدرسة الأشرفية فإنها كانت تطلق أيضاً على دنانير أحدثها الملك الأشرف برسباي سنة ٨٣١ ثم تساهلوا بعد ذلك في التعبير عن كل دينار بالأشرفي منسوباً إلى ضاربه كالأشرفي الغوري والأشرفي السليمي، وأطلق أيضاً على نوع من الدراهم، وقد حرفته العامة فقالت: فيه (شريفي) بكسر أوله وثانيه وكانوا يعبرون به عن الدينار إلى أوائل القرن الماضي ثم لم يبق له ذكر إلا في أقاصيص العجائز. - ===================== الشعرات الباقية إلى اليوم شعرات المسجد الحسيني بالقاهرة: منها الشعرتان اللتان كانتا مع الآثار النبوية بقبة الغوري، ونقلتا معها إلى هذا المسجد، وهما في زجاجة محفوظة في صندوق صغير من الفضة ملفوف بلفافة من الديباج الأخضر المطرز، وقد تقدم ذكرهما في فصل الآثار التي بمصر، ثم أضيفت إليهما شعرة كانت عند أحمد طلعة باشا، وكان من رجال مصر المشهورين ومن الكتاب المجيدين الإنشاء باللغة التركية، تولى رئاسة الديوان الخديوي مرات مدة والي مصر محمد سعيد والخديوي إسماعيل وابنه الخديوي توفيق وكان دخوله في الخدمة في ١٦ جمادى الأولى سنة ١٢٥٤ زمن العزيز محمد علي واستقال في جمادى الأولى سنة ١٣٠١ فأقيل مكرماً ورتب له المرتب الكافي فأقام في داره بشارع السيوفية بالقاهرة مقبلاً على العبادة والأعمال الصالحة إلى أن توفي يوم الأحد ٢ جمادى الثانية سنة ١٣٢٢، وكان المشاع على الأفواه أن هذه الشعرة حباه بها السلطان في إحدى سفراته إلى القسطنطينية موفداً من الخديو لتسوية بعض الأمور، ولكن المحقق عند أسرته أنها أهديت إليه من إحدى الحجازيين عَلَى أنها من الشعر الشريف فعوضه عنها شيئاً كثيراً، ولما توفي اتفق بنوه على إهدائها للمسجد الحسيني لتحفظ فيه مع الآثار النبوية، وكانت محفوظة عندهم في قارورة فتبرعت لها السيدة خديجة كبرى بناته بصندوق من الفضة وضعت فيه الزجاجة ولف بسبع لفائف من الديباج الأخضر، ثم حملت بالتعظيم والإجلال إلى المسجد فحفظت فيه مع الآثار وهي مجهولة المصدر لا يعلم من أين وقعت لهذا الحجازي. وفي سنة ١٣٤٠ أو ١٣٤١ أضيفت إليها شعرات كانت بالرباط المعروف بتكية1 الكلشني بشارع تحت الربع في قارورة مختومة بالشمع الأحمر ومحفوظة في صندوق من الخشب والزجاج موضوع في خزانة من الخشب والزجاج أيضاً من الصناعة العربية البديعة، فرأى وزير الأوقاف نقلها إلى المسجد الحسيني وحفظها مع الآثار النبوية فنقلت، وأمرها أيضاً مجهول لا يعلم من أين أتت للرباط، ثم في شوال سنة ١٣٤٢ أحضرت الحاجة ملكة حاضنة الأمير كمال الدين ابن السلطان حسين سلطان مصر الساكنة بشارع المبتديان بالقاهرة قارورة صغيرة إلى المسجد الحسيني وأخبرت أن بها شعرات من اللحية النبوية الشريفة، وأنها تريد إهداءها لتحفظ مع الآثار فأجيبت إلى ذلك، وكانت القارورة ملفوفة بقطعتين من الديباج الأخضر وموضوعة في صندوق صغير مكسو بالمخمل الأحمر وملفوف بثلاث لفافات من الديباج الأخضر ثم بلفافة من المخمل البنفسجي مطرزة الحواشي، وهي خمس شعرات على ما يقال مجهولة الأصل أيضاً. شعرة رباط النقشبندية بالقاهرة: المعروف بتكية النقشبندية بشارع درب الجماميز عن يسار السالك به من ميدان باب الخلق وهي من إنشاء والي مصر عباس باشا الكبير، وسبب إنشائها أنه كان عظيم الاعتقاد في الشيخ محمد عاشق النقشبندي فطلب منه أن يبني له ولصوفيته مكاناً للسكن والعبادة فبنى لهم هذه التكية سنة ١٢٦٨، وجعل بها مصلى وحجراً للصوفية وداراً لشيخهم وأنشأ بها حديقة ووقف عليها أوقافاً كثيرة، ثم لما توفي الشيخ محمد عاشق المذكور سنة ١٣٠٠ دفن بها في مقصورة ولم يعقب ذكوراً فتولى عليها سبطه السيد عثمان خالد وما زال بها إلى الآن، وكانت والدة عباس باشا المذكور لما حجت أحضرت معها من الحجاز شعرة أهديت إليها على أنها من الشعر الشريف، فلما حضرتها الوفاة سلمتها للشيخ محمد عاشق وطلبت منه حفظها بالتكية ليتبرك الناس بها، وهي ملصقة بقطعة من الشمع ومحفوظة في ثلاثة صناديق صغيرة الواحد داخل الآخر، وكان الشيخ يحتفل بإخراجها في ليلة المولد النبوي وليلة الإسراء ويدعو لذلك العلماء وكبار رجال الدولة والأعيان ويولم لهم، ثم يخرجها من الصناديق ويمسح بها على جفونهم ويناله منهم الشيء الكثير، ثم بطل هذا الاحتفال بعد موته وجعلها سبطه بصناديقها في صندوق أكبر منها علقه على المقصورة التي بها قبر جده، وهي باقية إلى اليوم كذلك. شعرات القسطنطينية: أفادنا صديقنا العلامة السيد عبد الله مخلص2 المقيم الآن بحيفا أنها كانت يوم تولي السلطان محمد رشاد بن عبد المجيد المعروف بمحمد الخامس3 ثلاثاً وأربعين شعرة محفوظة مع الأمانات المباركة، وأنه أهدى منها إلى بعض المدن بالمملكة العثمانية أربعاً وعشرين وبقي تسع عشرة يرجح أنها باقية إلى اليوم، لأن الفترة التي تلت موت رشاد وتولى فيها وحيد الدين ثم عبد المجيد كانت فترة قلاقل وفتن، ثم تلاها عصر إلحاد ومروق من الدين ويبعد أن يفكر أحد في هاتين المدتين في الآثار النبوية وإهداء الشعرات الشريفة منها. قلنا: وقد علمنا أن السلطان رشاداً أهدى ملكة بهوبال شعرة منها أيضاً، فيكون الباقي الآن ثماني عشرة، والله أعلم. شعرات أخرى بالقسطنطينية: كان المعروف أن ببعض مساجدها شعرات مفرقة بينها غير التي بالأمانات المباركة، وقد نقلت ثلاث منها إلى ثلاث مدن بفلسطين كما سيأتي، وأخبرنا أستاذنا العلامة الأكبر الشيخ عبد الرحمن قراعة الذي كان مفتياً بالمملكة المصرية عن المولى نوري أفندي آخر قضاة الدولة العثمانية بمصر أنه كان عنده شعرات نبوية، قال: وأظنه أخبرني أنها ثلاث كانت متوارثة في أسرة والدته وكانت خالته آخر من كان يحفظها منهم، ثم رأته أجدر بها منها فسلمتها إليه ليقوم بحفظها في حياته وتبقى في أسرته من بعد، ولا يعلم الآن عن هذه الشعرات ولا عن حافظها شيء وكان آخر العهد به حين فصلته الدولة المصرية عقب وقوع الحرب العظمى وسفرته مع أسرته إلى القسطنطينية، وبلغنا أنه جعل هناك شيخاً للإسلام ثم لم نسمع عنه شيئاً، ولا سيما بعد الانقلاب الكمالي الذي انتهَكت فيه حرمة الدين وعلمائه. شعرة المشهد الحسيني بدمشق: الملاصق للجدار الشرقي لصحن المسجد الأموي وقد سألنا عنها الصديق العلامة الأستاذ كاملاً القصاب الدمشقي نزيل حيفا الآن، فأجابنا بما أفاده عنها أخوه الفاضل السيد سعيد الحمزاوي وهو ما أخبره به عن ابن عمه السيد حسين الحمزاوي عن أبيه السيد عبد الكريم الحمزاوي أن هذا المشهد كان متهدماً تكتنفه أطلال بالية فزاره والي دمشق الوزير فؤاد باشا سنة ١٢٧٨ وسعى لدى السلطان عبد العزيز في تعميره وجعل الدار المجاورة له تكية باسم المقام يطعم فيها الطعام كل يوم بعد العصر، وطلب من علماء دمشق انتخاب مشرف للمقام ومشرف للتكية من أهل الصلاح والعلم، فاختاروا السيد سليماً الحمزاوي والد السيد عبد الكريم المذكور والأخ الأكبر للسيد محمود الحمزاوي مفتي الشام، مشرفاً على المقام لصلة نسبه بصاحبه الإمام الحسين عليه السلام وانتخبوا الشيخ محمداً العاني مشرفاً على التكية، إلا أن التقليد السلطاني جاء باسم السيد خلوصي القادري من أهل القسطنطينية بدلاً من العاني، ثم إن السلطان عبد العزيز أرسل بشعرة من الآثار النبوية لتحفظ بهذا المقام فحفظت فيه وما زالت إلى اليوم يحتفل بإخراجها في العام مرة واحدة في ليلة ٢٧ رمضان ويزورها الناس بعد صلاة التراويح فيقرأ القراء ثم يسارعون في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويخرجها المشرف فيتبرك الحاضرون بتقبيلها وهي بيده، وذكر الصلاة مستمر إلى أن تنتهي الزيارة فتعاد إلى لفائفها وصناديقهم وترفع إلى مكانها وفي هذا المقام لوح معلق بالجدار مكتوب فيه هذه الأبيات: على قبة الأفلاك تشمخ قبة من أركانها نور النبوة بادي حوت رأس مولانا الحسين ونجله بها عبد الباري لنيل مراد بناها وهي حتى أتى الوقت أرخوا وجددها فضل الوزير فؤاد ١٢٧٨ شعرة مقام التوحيد بدمشق: وهو المقام المنسوب للسيد سعد الدين الجباوي رضي الله عنه سأل عنها السيد سعيد الحمزاوي الشيخ بدر الدين السعدي شيخ هذا المقام فأخبره أن والده الشيخ إبراهيم سعد الدين تشرف بهذه الشعرة بالنقل عن والده الشيخ محمد سعد الدين، وهو تلقاها وتشرف بها عن والده الشيخ محمد الأمين الشهير ببني سعد الدين، وهكذا بالتسلسل عن جددهم، وأوقات زيارتها يوم المولد النبوي وليلة المعراج وليلة ٢٧ رمضان وهو ما كان عليه عمل الأجداد والأسلاف، وفي هذه الشعرة يقول الأستاذ الأكبر العلامة السيد محمود الحمزاوي مفتي الشام المتوفى سنة ١٣٠٥: شرف المحل بقدر من قد حله أمر بديهي الثبوت بلا خفا ولذلك المحراب فخر شامخ إذ حل فيه شريف شعر المصطفى وقد نقشا على العتبة العليا من مقام هذه الشعرة سنة ١٢٩٢، وكان رحمه الله يتولى إخراجها في المواسم فيزورها الحاضرون وهي بيده ثم يعيدها إلى لفائفها ويرفعها إلى مكانها. شعرة بيت المقدس: لها خازن خاص غير الخطيب والإمام، والراجح أنها جلبت إليه قديماً، وخازنها اليوم من أسرة الشهابي، وميعاد زيارتها في ٢٧ رمضان. شعرتان بعكا وحيفا: من البلاد الفلسطينية، وكانتا بالقسطنطينية من شعرات الأمانات المباركة، فأهداهما السلطان محمد رشاد لهذين البلدين، فحفظت إحداهما بمسجد أحمد باشا الجزار بعكا، والثانية بالجامع الكبير بحيفا، وميعاد زيارتهما في ٢٧ رمضان. ثلاث شعرات بصفد وطبرية والناصرة: من البلاد الفلسطينية، وكانت مفرقة ببعض مساجد القسطنطينية، ونقلت إلى هذه البلاد بأمر السلطان محمد رشاد، فحفظت واحدة بمسجد غار يعقوب بصفد، والثانية بالمسجد العمري بطبرية، والثالثة بالمسجد المنسوب لعلي باشا بالناصرة، وعلي باشا هذا هو والد عبد الله باشا والي صيدا الذي أسره إبراهيم باشا ابن العزيز محمد علي في إغارته على البلاد الشامية، ثم سرقت شعرة الناصرة من المسجد إبان الحرب العظمى التي بدأت في أواخر سنة ١٣٣٢هـ، والسبب في نقل هذه الشعرات الثلاث من المساجد أن السلطان رشاداً لما أهدى الشعرتين لعكا وحيفا طلب أهالي هذه البلاد الثلاثة إهداءهم أيضاً من هذه الشعرات للتشرف والتبرك بها، فأمر بأدائها لهم من التي بالمساجد لأنه خشي من موالاة الإهداء من شعرات الأمانات أن تقل ثم لا يبقى منها شيء، وجميع الشعرات المهداة من هذا السلطان جعلت في أنابيب من الزجاج ترى منها بالعين في غاية الوضوح، وكل أنبوب ملفوف بأربعين قطعة من الحرير مختلفة الألوان وموضوع في صندوق صغير يحفظ طول السنة في خزانة من الحديد، وميعاد زيارتها كل عام في ٢٧ رمضان بعد صلاة العصر. شعرتان بطرابلس الغرب: أفادنا عنهما حضرة الفاضل الشيخ الطاهر أحمد الطرابلسي الزاوي نسبة إلى الزاوية الغربية، وهي حوزة بطرابلس الغرب تجمع عدة قرى - (إحداهما) بمدينة طرابلس بجامع طورغود باشا في مقصورة غاية في الحسن بالجهة الشرقية من الجامع عن يسار الداخل، وهي في قارورة من زجاج مستديرة ملفوفة بقطع من الحرير ومحفوظة في صندوق من الآبنوس، ويحتفل بزيارتها في ليلة النصف من شعبان وليلة المعراج، فيتهافت الناس عَلَى تقبيلها للتبرك، والمتولي الإشراف عليها نقيب الأشراف، وهو الذي يحملها بيده ويناولها للزائرين، وله مرتب من الأوقاف على ذلك، ويقال إنها كانت بالقسطنطينية، فنقلها أحمد راسم باشا إلى طرابلس. و(الثانية): ببني غازي في جامع راشد باشا المشهور بجامع عثمان، وقد نقلت إليه من الجامع الكبير، وجعلت في مقصورة بأعلى الجامع من الداخل في الجانب الشرقي، وهي أيضًا في زجاجة ملفوفة بلفائف من الحرير، ومحفوظة في صندوق من الآبنوس، ويحتفل بزيارتها في المواسم المتقدّم ذكرها، ويتولى الإشراف عليها المفتي. شعرة في بهوبال بالهند: أهداها السلطان محمد رشاد لملكة بهوبال سلطان جهان بيكم4 بنت ملكتها شاه جهان بيكم، لما زارته في رحلتها إلى أوربة والقسطنطينية. أخبرنا الأديب الفاضل السيّد أبو النصر أحمد البهوبالي نزيل القاهرة، أنها لما عادت إلى بهوبال، احتفلت بنقل هذه الشعرة إلى الجامع الأعظم لتحفظ به، فوضعت بلفائفها في صندوق ثمين حمله ولدها ملك بهوبال الآن على رأسه، فتكأكأ الناس عليه للتبرك بلمس الصندوق ولم يخلص إلى المسجد إلا بعسر، ثم إنهم احتفلوا بزيارة هذه الشعرة بالمسجد مرة واحدة، ثم أبطلت الزيارة لاعتراض بعض العلماء وبقيت في صندوقها محفوظة بالمسجد إلى اليوم. هذا ما تيسر لنا الوقوف عليه من خبر الشعرات المنسوبة إلى سيد الوجود صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه أعلم بالصحيحة منها وغير الصحيحة. التكية رباط الصوفية وكانوا يسمونها بالخانقاه، وهي في لغة عامة مصر بفتح التاء وكسر الكاف وفتح الياء المشددة وفي اللغة التركية والفارسية بفتح التاء وسكون الكاف وفتح الياء المخففة، وقد يحرفها الأتراك فيقولون فيها تكه بفتحتين بلا ياء. وهو حفظه الله وأدام النفع به الذي أفادنا أيضاً عن الشعرات التي ببعض البلاد الفلسطينية الآتي بيانها. ولد سنة ١٢٦٠ وتولى الملك بعد أخيه السلطان عبد الحميد سنة ١٣٢٧ وتوفي سنة ١٣٣٦. سلطان جهان اسمها ومعناه سلطانة العالم، وكذلك اسم أمها شاه جهان معناها سلطانة العالم أو ملكة العالم، وأما بيكم فلقب تكريم يذكر بعد الاسم ومعناه الأميرة لأنه مؤنث بيك بمعنى أمير، وهو الذي تقول فيه عامة مصر (بيه) بالهاء بدل الكاف وبالإمالة، ومثل بيكم خانم فإنه مؤنث خان بمعنى الحاكم أو الأمير أو السيد العظيم وما زال مستعملًا بمصر لقب تكريم لنساء الأسر الرفيعة يلحق بأسمائهن، غير إنهم قلبوا خاءها في النطق فقالوا فيه هانم، وهذه الميم علامة للتأنيث في التركية تلحق ببعض الكلمات. ===================== العلم النبوي كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عدة ألوية ورايات، منها ما كان خاصاً، ومنها ما كان يعقده لأمراء جيوشه وسراياه، وقد تتبعنا ما ورد عنها في التاريخ فلم نعثر عَلَى ذكر شيء منها بقي بعد زمن النبوة إلا ما يذكرونه عن الراية المسماة بالعقاب، وهذا ما وقفنا عليه عنها: جاء في مادة (عقب) من لسان العرب: «والعُقاب عَلَمٌ ضخم، وفي الحديث أنه كَان اسم رايته عليه السلام العقاب، وهي العَلمُ الضخم، والعرب تسمي الناقة السوداء عقاباً على التشبيه، والعقاب الذي يعقد للولاة شبه بالعقاب الطائر، وهي مؤنثة أيضاً». ا.هـ. وقال ابن سيد الناس في سيرته المسماة بعُيون الأثر في باب ما كَان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من السلاح والدروع والرايات ما نصه: «وراية سوداء مربعة يقال لها العقاب، وراية بيضاء يقال لها الزبنة وربما جعل فيها الأسود. وروى أبو داود في سننه من حديث سماك بن حرب عن رجل من قومه عن آخر منهم، قال: رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء1. وروى أبو الشّيخ بن حيان من حديث ابن عباس قال: كان مكتوب عَلَى راياته: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقال الحافظ الدمياطي: قال يوسف ابن الجوزي2 روى أنَّ لواءه3 أبيض مكتوب فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله». اهـ. وفي الكامل لابن الأثير ومعجم البلدان لياقوت أن خالد بن الوليد رضي الله عنه لما سار من العراق لفتح الشام ووصل إلى الثنية المشرفة على غوطة دمشق كان ناشراً رايته، وهي راية كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى العقاب، فوقف عليها ساعة فسميت ثنية العقاب، وقيل: سميت بعقاب من الطير سقطت عليها والأول أصح. انتهى ملخصاً منهما. وجاء عنها في آثار الأول في ترتيب الدول أنها كانت سوداء وأنها ركزت على جبل دمشق عَلَى الثنية فسميت بها وهي ثنية العقاب. وفي تاريخ اليعقوبي ما نصه: «وروى بعضهم أن خالد بن الوليد سار إلى غوطة دمشق ثم فرعها إلى ثنية ومعه راية بيضاء4 تدعى العقاب فيها سميت ثنية العقاب». قلنا: ومن عند خالد بن الوليد انقطع خبر هذه الراية في التاريخ، فلم نقف عَلَى انتقالها أو انتقال غيرها من الرايات النبوية إلى أحد من الخلفاء أو الملوك سوى ما يدعيه الترك في اللواء المحفوظ مع الآثار القسطنطينية وما رواه الجبرتي عن لواء آخر سمته العامة بمصر بالبيرق النبوي. لواء القسطنطينية تقدم في الآثار التي بالقسطنطينية ذكر لواء زعموا أنه من الألوية النبوية، وقد بينا هناك أن في هذه الآثار ما يحتمل أن يكون صحيحاً، وإنما توقفنا فيها لأنا لم نر لها ذكراً في رواية لأحد الثقات يمهد للنفس سبيل الاطمئنان إليها، ولم يفصح مؤرخو الترك عن لون هذا اللواء ولا ذكروا شيئاً من صفته ولا ما كتب عليه، وإنما يروون من خبره أن بني عثمان كانوا يحرصون عليه حرصهم على بقية الأمانات المباركة، وأنهم اضطروا إلى إخراجه ونشره في بعض الفتن ليتألفوا به الأمة كما حدث في قيام اليكيجرية على السلطان أحمد بن محمد المعروف بأحمد الثالث المتولي سنة ١١١٥ فإنه اضطر إلى إخراجه وركزه بباب القصر وبث المنادين في الأهالي بالاجتماع عنده ولكنه لم يوفق في قمع الفتنة وانتهى الأمر بخلعه، وحدث في قيام اليكيجرية عَلَى السلطان سليمان بن إبراهيم المتولي سنة ١٠٩٩ بسبب نفقة البيعة أن أحد التجار ممن نهبت أمتعتهم أراد أن يحتال في تأليب العامة عليهم فعمد إلى رمح عقد عليه شقة من البز الأبيض موهماً أنه اللواء النبوي أخرج من القصر، وتسامعت العامة به فتجمت والتفت حوله، ولما أراد السلطان محمود بن عبد الحميد الملقب بالثاني إبادة اليكيجرية وتخليص الدولة من أذاهم اضطر إلى إخراج اللواء من الأمانات ليقوي به نفوس شيعته ويكثر سوادهم بمن يلتفت من العامة حوله، قال المولى محمد أسعد قاضي القسطنطينية في كتابه (أس ظفر5) الذي ألفه بالتركية في هذه الحادثة إن السلطان لما أراد الزحف عليهم أخرج اللواء النبوي من حجرة الخرقة الشريفة وسلمه للصدر الأعظم وشيخ الإسلام وقد فصل غيره من مؤرخي الترك هذا الخبر بأنهم لما أعلنوا بالعصيان أسرع الصدر الأعظم وعلماء الدولة وكبراؤها إلى قصر بشكطاش مقر السلطان وأعلموه بالخطب وانتقلوا معه إلى قصر طوبقبو الذي به الأمانات وتضرعوا إليه بإخراج اللواء الشريف فاستعظم الأمر وتمنع خشية من عطب يصيبه ثم ما زالوا به حتى رضي وذهب إلى حجرة الأمانات فأخرجه وحمله إليهم وهو يبكي وسلمه للصدر الأعظم وشيخ الإسلام فذهبا به إلى أت ميدان6 ومعهما المدفعية من جنود النظام الجديد لقتال أولئك البغاة ولما وصلوا إلى الميدان تقدم قاضي إستنبول وصاح قائلاً: من اختار اليكيجرية فليذهب إلى مراجلهم7 ومن اختار الإسلام فليضو إلى السنجق الشريف8 فأسرع أغلب الناس للانضمام إلى اللواء، ثم أطلقت المدافع على اليكيجرية وثكنتهم فهدمت عليهم وكتب إلى الولايات بإبادتهم فأبيدوا عن آخرهم، وقد وهم البستاني في دائرة المعارف ومحمد فريد بك في تاريخ الدولة العلية العثمانية في زعمهما أن السلطان سار بنفسه مع جند المدفعية إلى آت ميدان وهو قول لم يقله أحد من مؤرخي الترك ولا سيما المشاهدين منهم للحادثة، والصواب أنه بقي بالقصر وأرسل الصدر الأعظم وشيخ الإسلام واللواء والجنود كما ذكرنا. اللواء الذي سموه بمصر البيرق النبوي9 وهو عَلم كبير من الأعلام التي كانت بالقلعة أخرجه السيد عمر مكرم نقيب الأشراف للعامة عند قيامهم لدفع الفرنسيس عن القاهرة فسموه بالبيرق النبوي، والظاهر أن بعض قادتهم اختلق لهم ذلك ليزيد في تحمسهم فاعتقدوه، وملخص خبر هذه الواقعة أن الفرنسيس لما قصدوا الاستيلاء على مصر سنة ١٢١٣ كان عليها وال عثماني ليس له من الأمر شيء عَلَى عادة ولاتهم بها، وكان يحكمها كبيران من الجراكسة مشاركة وهما إبراهيم بك الكبير ومراد بك، والتصرف في أغلب الأمور لمراد بك، وكان أخرق رهقاً من شر أمرائهم وأضراهم بظلم الرعية وأجبنهم عند اللقاء، فمن مساويه في ذلك أنه خرج قبل مجيء الفرنسيس للتنزه في الريف أي الوجه البحري فعاث فيه وأفحش في القتل والنهب وإحراق القرى وتشتيت سكانها، ثم عاد إلى القاهرة ظافراً مملوء الوفاض بالغنائم بعد أن غادر أكثر قراه ببابا فلم يلبث أن بلغه نبأ احتلال الفرنسيس للإسكندرية في المحرم من تلك السنة وشروعهم في الزحف عَلَى القاهرة، فخرج إليهم بجنوده من الجراكسة وغيرهم والتقى بهم جهة الرحمانية بالبحيرة فلم تكن غير مناوشات هينة نكص فيها على عقبيه إلى جهة إمبابة بالشاطئ الغربي للنيل تجاه القاهرة، وأخذ يتحصن بها فلحقه الفرنسيس فلم يقو عَلَى لقائهم وانهزم هو وجنده في أقل من ساعة وفر إلى الصعيد وفر الوالي العثماني وإبراهيم بك إلى جهة الشام وتشتت بقية الأمراء وتركوا الشياه للذئاب، وكان أهالي القاهرة قاموا قياماً محموداً أبانوا فيه عن نخوة وحمية وسخاء بالنفوس والأموال وساروا إلى بولاق بالشاطئ الشرقي لمساعدة الجنود فلما وقعت الهزيمة حوّل الفرنسيس الرمي إلى هذا الشاطئ فشتتوهم ودخلوا القاهرة يوم الثلاثاء العاشر من صفر. وهذا نص ما ذكره الجبرتي عن قيام الأهالي ومسيرهم بهذا العَلَم إلى بولاق قبل ذلك بأسبوع، أي: في يوم الثلاثاء ٣ صفر سنة ١٢١٣: «وفي يوم الثلاثاء نادوا بالنفير العام وخروج الناس للمتاريس وكرروا المناداة بذلك كل يوم فأغلق الناس الدكاكين والأسواق وخرج الجميع لبر بولاق فكانت كل طائفة من طوائف أهل الصناعات يجمعون الدراهم من بعضهم وينصبون لهم خياماً أو يجلسون في مكان خرب أو مسجد ويرتبون لهم قيماً يصرف عليهم ما يحتاجون له من الدراهم التي جمعوها من بعضهم، وبعض الناس يتطوع بالإنفاق على البعض الآخر ومنهم من يجهز جماعة من المغاربة أو الشوام بالسلاح والأكل وغير ذلك، بحيث إن جميع الناس بذلوا وسعهم وفعلوا ما في قوتهم وطاقتهم وسمحت نفوسهم بإنفاق أموالهم فلم يشح في ذلك الوقت أحد بشيء يملكه، ولكن لم يسعفهم الدهر وخرجت الفقراء وأرباب الأشائر بالطبول والزمور والأعلام والكاسات وهم يضجون ويصيحون ويذكرون بأذكار مختلفة، وصعد السيد عمر أفندي نقيب الأشراف إلى القلعة فأنزل منها بيرقاً كبيراً سمته العامة البيرق النبوي فنشره بين يديه من القلعة إلى بولاق وأَمامه وحوله ألوف من العامة بالنبابيت والعصي يهللون ويكبرون ويكثرون من الصياح ومعهم الطبول والزمور وغير ذلك». اهـ. قلنا: وما زال في عوام المصريين من يعتقد بأن العلم العثماني ذا الهلال والنجم متخذ على مثال العلم النبوي، ولهذا تضاعف تألمهم لما غير في مصر بالعلم ذي الأهلة والأنجم الثلاثة بعد إعلان انفصالها من الدولة العثمانية إبان الحرب الكبرى الواقعة أواخر سنة ١٣٣٢هـ، ولعلّ منشأ هذا الاعتقاد ظنهم أن شارات دولة الخلافة تقتبس عادة من شارات نبوية، على أنهم في ذلك ليسوا بأوغل في الوهم من كثير من خاصة المسلمين وعامتهم في عدهم الهلال رمزاً دينياً له عند المسلمين ما للصليب عند النصارى، وما كَان قط كذلك، وإنما حبب إلى مسلمي العُصور الأخيرة وعظم لديهم لكونه شارة للعلم في آخر دولة أدركوها من دول الخلافة. في حاشية البرهان الحلبي على هذه السيرة ما نصه: «انفرد به أبو داود وأخرجه في الجهاد». في حاشية البرهان الحلبي أن المراد الواعظ المؤرخ أبو المظفر يوسف المعروف بسبط ابن الجوزي صاحب مرآة الزمان المتوفى سنة ٦٥٤. ذكر البرهان الحلبي عن أبي ذر الفرق بين اللواء والراية بأن اللواء ما كان مستطيلاً والراية ما كان مربعاً. شذ اليعقوبي في جعلها بيضاء، فإن من ذكر لون العقاب من المؤرخين ذكر أنها كانت سوداء. اسم هذا الكتاب تاريخ بالجمل للحادثة أي سنة ١٢٤١ وقد طبع بالقسطنطينية سنة ١٢٤٣. أت ميدان بتقديم المضاف إليه على المضاف كالقاعدة في التركية معناه ميدان اللحم لأنهم كانوا يوزعون فيه اللحم على اليكيجرية وكانت ثكنتهم مطلة عليه وقد أورده بهذا المعنى شمس الدين سامي في معجمه التركي ولكنه أورده في قاموس الأعلام بلفظ (آت ميدان) بمد أوله على أن معناه ميدان الخيل لأنهم كانوا يروضون فيه المهارى ويدربونها. كان من عادة اليكيجرية عند العصيان أن يقلبوا في الميادين مراجلهم التي يطبخون فيها طعامهم كأنهم يشيرون بذلك إلى رفضهم أكل طعام الدولة وخدمتها. السنجق أو السنجاق في التركية اللواء وكان يطلق في مصر على الكبير الحائز لرتبة أمير اللواء من أمراء الجراكسة الذين كانوا يحكمونها مدة العثمانيين، والظاهر أن أصله أمير سنجق ثم خفف بحذف جزئه الأول، كما يقال الآن للباشا من الجند لواء وأصله أمير لواء. البيرق لفظ تركي وأصله في هذه اللغة بيراق أو بإيراق ومعناه اللواء والراية. ================================== الركاب النبوي لم نقف إلا على خبر ركابين قيل: إنهما نبويان؛ أحدهما كان عند علاء الدين الخلاطي. والثاني كان عند الملك الناصر صلاح الدّين الأيوبي من ذرّية صلاح الدّين الكبير. أما الأول فمذكور في ترجمة الخلاطي بالدرر الكامنة للحافظ ابن حجر العسقلاني، ونصها: «علي بن محمد بن الحسن الخلاطي الحنفي علاء الدين الملقب بالقادوسي1 لطول تكوير عمامته، ويعرف أيضًا بمزلقان، وكان يقال له الركابي لأنه كان يزعم أن عنده ركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يزعم أيضاً أن عنده من شعره، وتفقه واشتغل وتقدم ودرس بالظاهرية وولي إمامتها، وهو أول مَن أمَّ بها ودرس بالديلمية، وكتب على الهداية شرحاً، وناب في الحكم عن معز الدين نعمان بالحسينية، ومات في النصف من جمادى الأولى سنة ٧٠٨». وأما الثاني فرأيته مذكوراً في جزء عندي قديم الخط من تاريخ لبغداد لم أعرف اسمه ولا اسم مؤلفه، جاء فيه في حوادث سنة ٦٥٣ ما نصه: «وفيها أرسل صلاح الدين بن أيوب صاحب دمشق وحلب إلى الخليفة المستعصم رسولاً معه فردة ركاب كبيرة من حديد قد ذكر أَنها ركاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأَنها عند بني أيوب يحفظونها كما يحفظ بنو العباس البردة الشريفة، فقبلها الخليفة وجعلها في خزانته مع البردة والقضيب2، فأنشد أبو المعالي القاسم بن أبي الحديد ارتجالاً: لو كنت في زمن النبي محمد من آله أَو كنت من أصحابه ما رام قلبي غير لثم ركابه شرفاً وقد بلغت لثم ركابه» انتهى. وصلاح الدين المذكور هو الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز محمد بن الملك الظاهر غازي ابن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب الكبير، كان ملكاً لحلب، ثم استولى على دمشق وأَضافها إلى مملكته سنة ٦٤٨، وجعلها مقرّ ملكه، وكان سمحاً جواداً حسن الأخلاق، غير أَنه لما بلغته كائنة هلاكو ببغداد وقتله للخليفة هرب من دمشق، وكان اجتمع له فيها عساكر كثيرة تناهز المائة أَلف فترك الجميع وهرب، ثم أحسن الظن بالمغول واتصل بهم فاستصحبوه معهم ثم غدروا به وقتلوه شر قِتلة سنة ٦٥٨. انتهى ملخصاً من تحفة الأحباب فيمن حكم دمشق من الخلفاء والملوك والنواب للصفدي، ومن عيون التواريخ لابن شاكر. لقب بذلك لأن عمامته كانت تشبه القادوس، وهو إناء من الفخار مستطيل أصغر من الجرة معروف بمصر يُخرج به الماء في الدواليب لسقي الأراضي. هذا من الأدلة المثبتة لبقاء القضيب والبردة عند العباسيين إلى زمن آخر خليفة منهم ببغداد. ============================== النعال النبوية النعل التي كانت عند السيدة عائشة: ذكرها العلامة الأديب أحمد بن محمد المقري، مؤلف نفح الطيب في كتابه فتح المتعال في مدح النعال، الذي ألفه في مثال النعل النبوية وما قيل فيها، وقد أورد لها عدة أمثلة أقواها في الصحة مثالان: ذكر أن الأول منهما حذى عَلَى نعل نبوية كانت عند أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وأن هذا المثال1 هو معتمد عدة من الأئمة الثقات: كأبي بكر بن العربي، وابن عساكر، وابن مرزوق، والفارقي، والبلقيني، والسخاوي، والسيوطي، وابن فهد، وغيرهم. وأتى على ما يثبت ذلك من الروايات بأسانيدها، ثم صارت هذه النعل الشريفة لإسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة المخزومي، وسبب ذلك على ما رواه عن الثقات أنها كانت عند عائشة رضي الله عنها، ثم صارت من قبلها إلى أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وكانت أم كلثوم تحت طلحة بن عبيد الله، فلما قتل يوم الجمل خلفه عليها عبد الله2 بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة المخزومي، وهو جدّ إسماعيل المذكور الذي كانت عنده النعل، ثم ذكر نعلاً أخرى كانت بالمدينة، عند فاطمة بنت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ولم يفصح عما صار إليه أمر هاتين النعلين بعد ذلك. نعل كانت بالأشرفية بدمشق: ذكروا أنها كانت عند بني أبي الحديد يتوارثونها، ثم صارت للملك الأشرف موسى بن العادل الأيوبي، فجعلها في دار الحديث الأشرفية التي أنشأها بدمشق3، وقد أشار إليها ابن كثير في البداية والنهاية ص ٦ في كلامه على النعل النبوية بقوله: «واشتهر في حدود ستمائة وما بعدها عند رجل من التجار يقال له: ابن أبي الحديد نعل مفردة، ذكر أنها نعل النبي صلى الله عليه وسلم، فسامها الملك الأشرف موسى ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب المذكور، فأخذها إليه وعظمها، ثم لما بنى دار الحديث الأشرفية إلى جانب القلعة، جعلها في خزانة منها، وجعل لها خادماً، وقررّ له من المعلوم كل شهر أربعين درهماً، وهي موجودة إلى الآن في الدار الأشرفية». ونقل سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان (ج ٨ ص ٤٧١) خبر مصير هذه النعل إلى الأشرفية عن الملك الأشرف نفسه فقال في ترجمته الواردة في وفيات سنة ٦٣٥ ما نصه: «وكنت عنده بخلاط، فقدم علينا النظام ابن أبي الحديد ومعه نعل النبي صلى الله عليه وسلم، فعرّفته بقدومه فقال يحضر، فلما دخل عليه ومعه النعل قام قائماً ونزل من الإيوان وأخذ النعل فقبلها ووضعها عَلَى عينيه وبكى، وخلع على النظام وأعطاه نفقة وأجرى عليه جراية، وقال: تكون في الصحبة نتبرك بك. وانفصلت عن خلاط، وأقام عنده، فبلغني أنه قال: هذا النظام يطوف البلاد وما يقيم عندنا، وأنا أوثر أن يكون عندي قطعة منها، ثم بات يفكر ورجع عن ذلك الخاطر، ولما أخذ دمشق حكى لي قال: عزمت عَلَى أخذ قطعة منها، فقلت: ربما يجيء بعدي من يفعل مثل فعلي فيتسلسل الحال ويؤدي إلى استئصالها بالمرة، فتركتها وقلت: مَن ترك شيئاً لله عوضه الله أمثاله، ثم أقام عندي النظام شهوراً، واتفق أنه مات وأوصى لي بالنعل فأخذت النعل بأسرها، ولما فتح دمشق اشترى دار قيماز النجمي وجعلها دار حديث وترك النعل فيها، ونقل إليها الكتب الثمينة، وأوقف عليها الأوقاف الكثيرة» ا.هـ. وذكر المقري في فتح المتعال رجلاً اسمه أحمد من بني أبي الحديد الذين كانوا يتوارثون هذه النعل رأى اسمه في استجازة من الشيخ المحدث أبي عبد الله البرزالي تاريخها سنة ٦٠٩ منعوتًا بصاحب نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم4، ثم نقل عن تاريخ البدري في الملك الأشرف ما صورته: «وقد كان شجاعًا كريماً جواداً محباً للعلم وأهله، لاسيما أهل الحديث ومنادمة5 الصالحين، وقد بنى لهم دار الحديث بالسفح» إلى أن قال: «وجعل فيها نعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي ما زال حريصاً عَلَى طلبه من النظام ابن أبي الحديد التاجر». وممن ذكره العلماء واجتمعوا به من بني أبي الحديد أبو الحسين بن أبي الحديد، ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق، وملخص ما نقله عنه المقري في التعريف به أنه أبو الحسين عبد الرحمن بن عبد الله بن القاسم بن الحسن بن عبد الله بن أبي الحسن أحمد بن أبي الفضل عبد الواحد بن أبي بكر محمد بن أحمد بن عثمان بن الوليد بن الحكم بن سليمان المعروف بابن أبي الحديد السلمي الخطيب كان شيخاً صالحاً سليم الجانب سديد السيرة من بيت الحديث والخطابة، وكان جده الأعلى أبو الحسن بن أبي الحديد من مشهوري المحدثين. قال ابن عساكر سمعت عنه بدمشق أجزاء ودخلت داره المليحة وقرأت عليه، ورأيت نعل النبي صلى الله عليه وسلم معه، وكانت ولادته في جمادى الأولى سنة ٤٦٤ بدمشق ووفاته بها نهار يوم السبت مستهل جمادى الآخرة من سنة ٥٤٦ ودفن في مقابر باب الصغير. ا.هـ6. ونقل المقري أيضاً كلاماً مفصلاً مفيداً في هذه النعل عن رحلة الحافظ الرحال أبي عبد الله محمد بن رُشَيد7 الفهريّ المغربيّ السبتيّ المالكيّ المسماة: «مَلء العيبة مما جمع بطول الغَيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة» يتلخص في أنه قصد زيارة هذه النعل بالمدرسة الأشرفية المذكورة للتبرك بها والاستشفاء من مرض أصابه فوجد بركتها، ورأى بالمدرسة بيتين بُنيا في قبلتها أحدهما عن يمين المحراب به نسخ من المصاحف، والآخر عن يساره فيه النعل الكريمة، وهي فردة واحدة، وقد جعل لهذا البيت باب مصفح بالنحاس الأصفر كأنه صفائح ذهب، وعُلق عليه كِلَل حرير ثلاث خضراء وحمراء وصفراء، ووضعت النعل الكريمة على كرسي من آبنوس، ثم وضع على النعل لوح من آبنوس، ونقر في وسط اللوح بمقدار ما ظهرت النعل منخفضة عن اللوح بمقدار النقر، ولا شك أنه بقي منها تحت أطراف اللوح مقدار ما ثبت به تحت اللوح وما أخذته المسامير التي طوقت به فإن الدائر المحيط بها كله مكوكب بمسامير فضة ويُملأ ذلك الظاهر منها الذي هو منقور عليه بأنواع الطيب حتى إن الذي يلثمها يتمرغ فمه في طيبها، وقد وكل بها قيم له عليها مرة بلغنا أنه أربعون درهماً ناصرية، وأمر بفتحها يوم الإثنين ويوم الخميس للناس للتبرك بلثمها. اهـ. ثم ذكر المقري أيضاً أن هذه النعل الشريفة كانت عند أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها مما تركه النبي صلى الله عليه وسلم فتوارثها ورثتُها من بعدها إلى أن وصلت إلى بني أبي الحديد8 وما زال يتوارثونها إلى آخرهم موتاً، وأنه ترك ثلاثين ألف درهم وترك تلك النعل وولدين له فتراضيا عَلَى أن يأخذ أحدهما المال ويأخذ الآخر النعل الشريف فصار يذهب بها إلى أرض العجم ويفد عَلَى الملوك فيتبركون بها حتى رجع إلى خلاط فطلب منه الملك الأشرف ابن العادل أن يقطع له منها قطعة يتبرك بها، ثم رجع عن ذلك إلى أن آلت إليه وجعلها في دار الحديث التي ابتناها بدمشق ومما أنشده للحافظ ابن رشيد الفهري في هذه النعل أنه زارها بالأشرفية: هنيئاً لعيني إن رأت نعل أحمد فيا سعد جدي قد ظفرت بمقصد وقبلتها أشفي الغليل فزادني فيا عجباً زاد الظما عند مورد فلله ذاك اللثم لهو ألذّ من لمَا شَفَةٍ لَمْيَا وخدّ مورّد ولله ذاك اليوم عيداً ومعلماً بتاريخه أرّخت مولد أسعد عليه صلاة نشرها طيّب كما يحب ويرضي ربنا محمد وأنشد للإمام أبي عبد الله محمد بن جابر الوادي آشى قوله لما رآها بالأشرفية وقبلها: دار الحديث الأشرفية لي الشفا فبها9 رأت عيناي نعل المصطفى ولثمتها حتى قنعت وقلت يا نفسي أنعمي أكفاك قالت لي كفى لله أوقات وصلت بها المنى من بعد طيبة ما أجل وأشرفا لك يا دمشق على البلاد فضيلة أيامك الأعياد لازمها الصفا ولكم يجيرون جررت ولم أخف ذيلاً وبرح هواي فيها ما اختفى وأنشد فيها أيضاً أبياتاً دالية للإمام أبي بكر بن محرز تركنا ذكرها لتحريف وقع بها لم نهتد لصحته. ومن الحوادث المتعلقة بهذه النعل الشريفة ما وقع بدمشق من نائب الشام سيف كراي زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون، وذلك أنه قرر على أهل دمشق ما عجزوا عن أدائه فأغلقوا البلد؛ لأنه أدخل في هذه المظلمة أهل الأسواق وحواضر البلد وأملاكها وحاراتها وأمر بكتابتها ليوظف عليها فضج الناس وشكوا إلى القضاة والخطباء والأئمة فتواعد الجميع على الطلوع إلى النائب المذكور، فلما كان يوم الإثنين ثالث عشر جمادى الأولى (أو الأخرى) من عام أحد عشر وسبعمائة أخذ الخطيب جلال الدين القزويني صاحب تلخيص المفتاح والإيضاح المصحف الكريم العثماني ونعل النبي صلى الله عليه وسلم من دار الحديث الأشرفية وأعلام الجامع التي تكون بين يدي الخطباء وخرج من باب الفرج ومعه العلماء والفقهاء والقراء والمؤذنون والأئمة وعامة الناس، فلما وصلوا إلى النائب واستغاثوا أَمر بضربهم وقال للجلال القزويني حين سلم عليه: لا سلم الله عليك، وضرب النقباء الناس ورموا المصحف العثماني والنعل الشريفة النبوية فعندها رجمهم الناس وأخذوا الجلال القزويني إلى القصر وخلص العوام المصحف والنعل الشريفة والأعلام ودخلوا البلد، فاتفق بعد عشرة أيام أن عوقب سيف الدين كراي المذكور وقيد وسجن بأمر الناصر محمد بن قلاوون وناله من الإهانة ما ناله جزاء تهاونه بالمصحف الشريف والنعل النبوية، وفرج الله عن أهل دمشق وفرحوا بالانتقام الإلهي منه. مصير هذه النعل مع نعل أخرى كانت معها بدمشق: قال المقري: «وقد فحصت عن أمر هذه النعل الشريفة في زماننا هذا فلم أجد لها عند أحد ممن سألت خبراً، وأظن أنها ذهبت في فتنة تيمورلنك حين خرب دمشق وأحرقها سنة ثلاث وثماني مائة حسبما هو مشهور … وقد سئل بعضهم عن تاريخ تخريب تيمورلنك لدمشق، فقال: سنة خراب، يعني أن لفظ خراب هو التاريخ، وهذا نحو قوله لما سئل عنه سنة قيامه وثورته، فقال: سنة عذاب. يعني ثلاث وسبعين وسبعمائة، وهاتان توريتان عظيمتان فيهما اتفاق غريب، يعرف ذلك كل أريب. ثم بعد كتبي لما ذكرته بمدة وقفت على نور النبراس على سيرة ابن سيد الناس للحافظ برهان الدين الحلبيّ رحمه الله، فإذا فيه نحو ما ظننته مع زيادة ونصّه: (فائدة) الذي بقي من آثاره صلى الله عليه وآله وسلم الشريفة الآن فيما نعرفه كان بقي نعلان بدمشق، كل فردة في مكان، واحدة بالأشرفية دار الحديث بقرب القلعة، أنشدونا لشيخ الإسلام شيخنا الإمام المحدث أمين الدين الأَنفيّ المالكي10: وفي دار الحديث لطيف معنًى وفيها منتهى أربي وسولي أحاديث الرسول عليّ تتلى وتقبيل لآثار الرسول والفردة الثانية في الدماغية11 المدرسة المعروفة للشافعية، ذهبتا في وقعة تيمورلنك لا يدري أين ذهبتا، والله أعلم. ا.هـ. قلت: الذي ذكره العلامة عبد الباسط بن موسى العلمويّ في مختصر تنبيه الطالب وإرشاد الدارس12 (ص ٧) أن تيمورلنك أخذهما في تلك الوقعة ونص ما قال في كلامه على دار الحديث الأشرفية: «وبها نعل النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت عند الإمام نظام الدين أبي العباس أحمد بن عثمان بن أبي الحديد السلميّ مولده بدمشق سنة ٥٦٠، وكان ورثها، أي النعل من آبائه وكان الأشرف يقربه ويجله لأجلها ويؤمل أن يشتريها منه ويضعها في مكان ليزار فلم يسمح بذلك، وسمح بأن يقطع له قطعة منها فامتنع الأشرف حذراً من التطرق إلى إعدامها، ثم أقطعه الأشرف وقدر له معلوماً فاستمر كذلك إلى أن توفي سنة ٦٢٥ فأوصى بها للأشرف فأقرها بدار الحديث الأشرفية، ويقال إنها كانت الفردة اليسرى، وأن الفردة اليمنى كانت بالمدرسة الدماغية، ولم تزالا إلى زمن تيمور، فلما دخل دمشق أخذهما». قطعة كانت عند القاضي عبد الباسط: القاضي زين الدين عبد الباسط بن خليل بن إبراهيم (وقيل ابن يعقوب) الدمشقي ثم القاهري ترجمه السخاوي في الضوء اللامع ج ٢ ص ٦٥١ ترجمة طويلة جاء فيها أنّه ولد سنة ٧٨٤ بدمشق أو سنة ٧٩٠ أو التي قبلها والأوّل أشبه، وتوفي بالقاهرة سنة ٨٥٤ ودفن في تربته التي أنشأها بالصحراء ونال قسطاً وافراً من الوجاهة والسؤدد في الدولة، وكان حسن السياسة واسع الكرم اشترى بيت تنكز13 وأصلحه وأكمله وسكنه وعمر تجاهه مدرسة بديعة انتهت سنة ٨٢٣ ثم قبض عليه السلطان الملك الظاهر جقمق وأخذ منه قطعة قيل: إنها من نعل المصطفى صلى الله عليه وسلم وأهين باللفظ غير مرّة ثمّ أطلق فحجَّ وزار وسافر إلى بعض البلاد وعاد إلى القاهرة مستوطناً لها إلى أن توفّى بها. قلنا: دار تنكز المذكورة لم تزل باقية إلى اليوم بشارع الخرنفش، وكان يسكنها قاضي القضاة إبراهيم بن جماعة ثمّ ملكها القاضي عبد الباسط المذكور وتنقلت بعده من مالك إلى آخر حتّى اشتراها عباس باشا الكبير قبل توليه على مصر، فغير معالمها وجدد بناءها عَلَى ما هي عليه الآن وسماها بالإلهاميَّة نسبة لولده إلهامي باشا ثمّ اشتراها خليل باشا يكن من تركة إلهامي باشا ثمّ اشتراها منه عزيز مصر الخديو إسماعيل وأنعم بها على السادة البكرية شيوخ مشايخ الصوفية لما أخذ دارهم التي كانت عَلَى بركة الأزبكية عند تنظيم شوارعها، وما زالت إلى اليوم للبكرية يسكنونها، والمدرسة التي بناها القاضي تجاهها ذكرها المقريزي في الجوامع باسم الجامع الباسطي، وهو باق أيضاً إلى اليوم ويعرف بجامع القاضي عبد الباسط وبجامع عبّاس باشا لتجديده بعض بنائه وبه قبر الشيخ أحمد بن خليل السبكي المتوفى سنة ١٠٣٢، وكان يتولَّى الإمامة والخطابة به، وأما القطعة من النعل الشريفة فقد فصَّل المقريزي خبرها في تاريخه المسمّى لمعرفة دول الملوك ونقله عنه المقّري بمعناه في فتح المتعال فقال: «ذكر المقريزي المؤرخ المصري رحمه الله في تاريخه المسمى بالسلوك ما معناه أن السلطان سيف الدين جقمق لما غضب على القاضي زين الدين عبد الباسط وأمر بجعله في البرج دخل عليه والي القاهرة وأمره أن يخلع جميع ما عليه من الثياب فإنه نقل للسلطان أن معه اسم الله الأعظم، ولذلك كان كلما همَّ بعقوبته صرفه الله عنه فخلع جميع ما كان عليه من الثياب والعمامة ومضى بها إلى الوالي وبما في أصابع يديه من الخواتم فوجد في عمامته قطعة أديم، ذكر لما سئل عنها أنها من نعل النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم. انتهى المقصود منه. ولعلها كانت من التي بالأشرفية بالشام، وكان لهذا القاضي الجاه العريض والتصرف في مملكة الإسلام بمصر والشام وما يليهما فلا يبعد أن يحصل له ذلك منها أو من غيرها من النعال النبوية التي كانت يتوارثها من خصه الله بها، والله أعلم» ا.هـ. ما ذكره المقري. النعل الشريفة التي بدار الشرفاء الطاهريين بفاس: ذكر عصرينا العلامة محمد بن جعفر بن إدريس الكتاني المتوفى سنة ١٣٤٥ في كتابه سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس (ج ١ ص ٣٤٣) في ذكر من اشتهر من صلحاء حومة الجزيرة، وما أضيف إليها دار الشرفاء الطاهريين التي بها النعل الشريفة النبوية، فآثرنا نقل كلامه بنصه وإن طال لما فيه من الفوائد التاريخية، قال رحمه الله: «أعلم أن من مزارات هذه الحومة دار الشرفاء الطاهريين الصقليين التي بدرب أبي بكر وهي الأولى عن يمين الداخل إليه من جهة مصمودة لأن بها الآن نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريفة التي كان يلبسها في رجله الشريفة بعينها وذاتها، وكانت قبل بدار أخرى كانت لهم بدرب الدرج من حومة درب الشيخ، ثم نقلوها إلى هذه وهي في ربيعة في جوف صندوق في مكان مرتفع في غرفة بأعلى الدار المذكورة معظمة محترمة وعندهم الشهادة بخطوط أئمة كبار أنها نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الإشراف في ترجمة الشرفاء المذكورين ما نصه: وبأيدي أصحاب الترجمة من الآثار النبوية والمتبركات المصطفوية نعلا الرسول صلى الله عليه وسلم الكريمتان اللتان كانتا بدقميه الشريفتين شاع خبرهما منذ أعوام، ولهج بذلك الخاص والعام قال الوالد قُدّس سره في نظمه عقود الفاتحة: ومنهم سادة أبدت صِقِلِية14 مجلاهُم وغدت من بعدُ في ظُلم وشعبة منهم للثم نعلهم يرى هلال السماء فاتحاً لفم وفي تأليف للشيخ الإمام الأوحد أبي مالك سيدي عبد الواحد بن محمد الفاسي في السلالة الصقلية سماه غاية الأمنية وارتقاء الرتب العلية في ذكر الأنساب الصقلية ذات الأنوار البهية السنية، لما تعرض لذكر بني طاهر عقب الشريف الولي الجليل الأحظى الكفيل الأثيل ذي القدر السامي والفضل الجلي أبي العباس أحمد بن علي المتوفى سنة ثلاث وتسعين وألف ما نصه: وسيدي أحمد بن علي المذكور هو الذي كان حائزاً بداره التي بدرب الدرج من عدوة فاس الأندلسي15 للنعلين الكريمتين اللتين لبسهما جده مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدميه الشريفتين كما شاع خبرهما منذ أعوام ولهج بذكرهما الخاص والعام، أعاد الله علينا من بركتهما آمين. وقد رآهما وَتبرك بهما بالدار المذكورة جماعة من أعيان العلماء منهم الشيخ الحافظ أبو زيد سيدي عبد الرحمن بن شيخ الإسلام أبي محمد سيدي عبد القادر الفاسيّ وذلك سنة سبع وستين وألف هو وجماعة من الأئمة الأعيان وقيست النعل الشريفة بمثال بشهادة عدلين وكان المقيس16 له على الأصل الشريف الفقيه العلامة سيدي حمدون المزوار، ونظم ذلك أبو زيد المذكور في أبيات كتبت على ذلك المثال المحذو عليه، وفي نشر المثاني في ترجمة الشيخ الفقيه البركة أبي عبد الله سيدي محمد ابن الشيخ أبي زيد سيدي عبد الرحمن المذكور17 ما نصه: ووجدت بخط صاحب الترجمة نسب لوالده هذه الأبيات الخمسة كتبها عَلَى مثال مُقاس على النعل الذي بيد مولاي أحمد طاهر الشريف الحسينيّ الصقّليّ نزيل درب الدرج من عدوة فاس الأندلس الذي عنده الشهادة بخطوط أئمة أنها نعل المصطفى مولانا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي هذه الأبيات: نعال بها إذا مُست الأرض شُرّفت بها الأرض عن أفق السمٰوات في الفضل فما مثلها ذخر وهذا مثالها طباق الذي للمصطفى كان في الرجل وعند الصقليين من شرفائنا بفاس وجدتها فقيست بذا المثل وفي السبع والستين والألف صنعه محكم إتقان بشاهدَي العدل18 وشاهده العمراني وهو محمد وأحمد المزوار قاسه بالأصل وفيه أيضًا ما نصه: ومن خط بعض أشياخنا رحمه الله رأيت نعل المصطفى صلى الله عليه وسلم التي بدار الشرفاء الطاهريين الحسينيين الصقليين القاطنين بعدوة فاس الأندلس فتبركت بها على أعلى البدر والحمد لله وتوسلت بها إلى الله في حوائج فما رأيت أسرع إلى الإجابة منها في بعضها وأنا أرجو الله في الباقي أوائل سنة أربع وأربعين ومائة وألف وممن عاينها وتبرك بها من المتأخرين شيخ الجماعة أبو عبد الله سيدي محمد التاودي بن سُودة المري، وفي ذلك يقول: دار بمصمودة المكارم والوفا فيها رأت عيناي نعل المصطفى19 ولثمتها20 حتى شبعت وقلت يا نفسي أنعمي أكفاكِ؟ قالت لي كفى قال في الإشراف: ولعله تمثل بهما مع تغيير في الشطر الأول إذ هما من جملة أبيات للشيخ الإمام المحدّث ابن جابر الوادي آشي نظمها بدار الحديث الأشرفية في دمشق المحروسة، وقد رأى فيها نعل النبي صلى الله عليه وسلم فقبلها وقال: دارُ الحديث الأشرفية لي شفا فبها رأت عيناي نعل المصطفى ولثمتها حتى قنعت وقلت يا نفسي أنعمي أكفاك قالت لي كفى لله أوقات وصلت بها المنى من بعد طيبة ما أجلّ وأشرفا لك يا دمشق عَلَى البلاد فضيلة أيامك الأعياد21 ألزمها الصّفا وممن نسبها لابن جابر المذكور المقري في أزهار الرياض، وزاد في آخرها بيتاً وهو: ولكم بجيرون جررت ولم أخف ذيلاً وبرحُ هواي فيها ما اختفى وقد قال الشيخ التاودي في حاشيته على البخاري في باب الشرب من قدح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من كتاب الأشربة ما نصه: وقد منّ الله عليّ مع حقارتي وضعف تعلّقي بالسنَّة والحديث بأنّي رأيت فرداً من نعل النبيّ صلّى الله عليه وسلم ومسحت به وجهي وعيني وذلك في العشرة الأخيرة من المائة الثانية عشرة، وهذه النعل بدار الأشراف الطاهريين بعدوة الأندلس قرب مصمودة هناك معروف جدهم بصاحب النعال، وكان السلطان مولاي إسماعيل جبر عَلَى أخذها فأعطوه واحدة وكتموا الأخرى فلهذا لا يطلعون عليها أحداً، وهي عندهم في ربيعة في صندوق في مكان معظم محترم، ورأيت حوله خط واحد من العلماء ممن أدركته لا غير، وكتبت حوله فلله الحمد والمنة، وقد ذكر في نشر المثاني قضيّة جبر السلطان المذكور عَلَى أخذها حيث قال فيه ما نصّه: وفي عام أربعة عشر ومائة وألف شدد في المغرم على أهل فاس السلطان المنصور بالله مولانا إسماعيل ابن الشريف الحسنيّ فطلب أهل فاس من الشرفاء الطاهريين أن يعطوهم النعل النبويَّة يستشفعون بها للسلطان فحملها بعض الشرفاء المذكورين وساروا إلى السلطان فأحضروها بين يديه ودفعوها له بمكناسة، فعفا عن أهل فاس في تلك القضيَّة، وأخذ السلطان النعل وأدخلها لداره بقصد التبرك وبنى قبَّة بداره معلومة إلى الآن تسمى قبة النعال ووضع فيها النعل في كوم22. وبقيت النعل عند السلطان مدّة حياته ولا أدري ما وقع بها بعد وفاته. اهـ. ومن خطّ بعضهم ما نصّه: الحمد لله وممّا وجدته مطوّقاً بخدّيْ بيت ساداتنا الشرفاء الطاهريّين الكائنة بالعدوة المجاورة لمصمودة الموضوع فيها نعلا النبيّ صلّى الله عليه وسلَّم: يا بني الزهراء يا من في الورى لهم الجاه الأعزَّ الأشرف دمتمُ في نعم لا تنقضي وسرور عنكم لا يصرف وها هنا تنبيهات: (الأول) بحث صاحب النشر المذكور في كون النعل المذكورة نعل المصطفى صلّى الله عليه وسلَّم بأنّ الذي يغلب على الظنّ أنّ نعاله عليه السلام قد أهلكها الدهر وطول العهد، وبأنّ المقّريّ في فتح المتعال ذكر في النعال روايات وأمثلة ممَّا عند السخاويَّ والزين العراقيّ وغيرهما ولم يعرّج عَلَى مثال هذه النعل التي بيد الشرفاء المذكورين مع أنه معاصر لها بالزمان والمكان وليست مما يخفى عليه، ومنتهى الأمثلة التي ذكر سبعة ومثال ما عند الشرفاء المذكورين أصغر منها كلها، ونحوه قول بعض المتأخرين من الشرفاء القادريين أيضاً في تأليف له في مناقب مولاي عبد الله الشريف الوزاني لم يصحَّ استمرار طول مكث نعليه صلى الله عليه وسلَّم إلى الآن بعد المائتين وألف لأنَّ الدنيا جميع ما فيها يفنى إلاّ أشياء استثنوها من ذلك، وقد سألت عن ذلك أهل حرفة الدباغة فقالوا لي: إن كانتا من الجلد النيء غير المدبوغ فإنه يسوس، وإن كانتا من الجلد السبتي المدبوغ الذي ليس فيه شعر فإنه يكرف وييبس ويتمزَّق، وإن كانتا من الجلد الإفرنجي العنان فإنّه يكرفُ ويتمزَّق أيضاً ولا أثر لبقاء وجودهما إلى الآن ومن ادعى شيئاً من ذلك فلا يصدقه العرف في دعواه. قلت: وفي هذا الذي ذكراه نظر. أمَّا أوَّلاً فقد تقدم أنّه شهد لهم بأنّها نعل المصطفى صلَّى الله عليه وسلّم أئّمة علماء، ويبعد كل البعد أن يشهدوا على غير يقين أو ظنَّ قريب من اليقين. وأما ثانياً فإنّ ما استدلا به على فنائهما لا ينهض، فإنّ الله تعالى حرَّم عَلَى الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، ولا يبعد أن ينسحب ذلك أيضاً على بعض ما حلّ بأجسادهم الكريمة من النعال وشبهها معجزة لهم، وقد وقع لمولانا إدريس الأكبر دفين زرهون أنّه ظهر جسده الشريف بكفنه عام ثمانية عشر وسبعمائة ولم تعد الأرض عَلَى شيء من الجسد ولا من الكفن المصاحب له، وكان بين وفاته وظهور جسده عَلَى الحالة المذكورة خمسمائة سنة وأحد وأربعون سنة وثمانية أشهر. وأما ثالثاً فإن الجلد إذا كان محفوظاً مصوناً من الماء والشمس ونحوهما لا يسرع إليه البلى بالكلية ولا يبعد بقاؤه هذه المدة وأزيد منها، وقد رأينا من الكتب المكتوبة ما له نحو من سبعمائة سنة مع كون كتابته في أوراق من الكاغد ويحل بأيدي كثير من الناس وتطرأ عليه أنواع من التغييرات كثيرة، فكيف بجلد البقر أو الإبل الغليظ المصون عن الأيدي والتغيرات. وعدم ذكر المقري وغيره لهذه النعل لا ينفيها إذ لم يستوعبوا ذكر النعال التي مشى بها عليه الصلاة والسلام في عمره، وإنما ذكروا منها ما حصلت لهم به رواية أو نقل لهم فيه أمر وما بقي أكثر مما ذكروا بكثير، وقد عد جماعة من الأئمة وهم علماء صلحاء رؤيتهم لهذه النعل التي بيد هؤلاء الشرفاء من أعظم نعم الله تعالى عليهم وتبركوا بها وشاهدوا بركتها ووجودها، وأي دليل أقوى من هذا فلا يعدل عنه إلى التجويزات العقلية التي لا مستند لها إلا الوقوف مع العادة إن سلمت. (الثاني) ما زال الناس يتبركون بمثل النعل والقلنسوة والعكازة والسبحة ونحوها مما ترجى بركته، فأحرى بمرات عديدة ما كان من سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم، وما زالت حوائجه وآثاره عليه السلام بيد الصحابة فمن بعدهم على وجه الحفظ والأمانة والتبرك بها لا على سبيل الميراث، وذلك معلوم عند من طالع السير والتواريخ. (الثالث) ذكروا لمثال النعل الشريفة خواصّ عديدة ذكر بعضها في التقاط الدرر تبعاً للمقّري في فتح المتعال، ونصه: ولصورة هذه النعل الكريمة خواصّ وبركات، فمنها أن مَن وضعها عَلَى محل وجع يعني بنية صادقة شفاه الله من حينه، وإن أمسكها متبركاً بها كانت له أماناً من بغي البغاة، وحرزاً من الشيطان، ومن عين كل حاسد، وإن أمسكتها صاحبة الطلق بيمينها وقد اشتد عليها الطلق تيسر أمرها في الحين، ومن لازم حملها كان له القبول التامَ ولابد أن يزور النبي صلى الله عليه وسلم أو يراه مناماً، ومن سافر به في برّ أو بحر فعرضت له آفة خوف أو هلاك نجاه الله وآمنه. ذكر هذه الأشياء الحافظ المقري في فتح المتعال منقولة عن الأئمة بسندها وذكر قضايا وقعت من ذلك له ولغيره فانظره. (الرابع) كثير من الناس اليوم يتطير من رؤية هذه النعل التي بيد هؤلاء الشرفاء ويزعمون أن من رآها مات بعد أيام يسيرة، ويذكرون لذلك قضايا اتفاقية، ولا صحة لهذا وإنما هو من تخيلات الأوهام التي لا معوّل عليها، وقد عاش أبو زيد الفاسي بعد رؤيتها قريباً من ثلاثين سنة، والشيخ التاودي أزيد من عشرة أعوام، نعم هذا أمر جعله الله في نفوس العامة ليصون به هذه النعل الكريمة من الابتذال والوقوع في يد من لا يُرضى حالُه، ولله تعالى فيما يريد حكم وأسرار لا يعلمها إلا هو سبحانه، والله أعلم». انتهى بنصه، ولم نغير فيه إلا بعض أفعال ونعوت وردت مذكرة في بعض العبارات لعدهم النعل من المذكرات وهي مؤنثة، فجعلناها بالتأنيث. نعل غير صحيحة: وهي نعل أهداها بعضهم للخليفة المهدي العباسي فظهر له أنها غير صحيحة غير أنه قبلها وأجاز مهديها سياسة منه، ذكر ذلك ابن شاكر في ترجمته في فوات الوفيات ج٢ ص ٢٢٥ ونص عبارته: وجلس المهدي جلوساً عاماً فدخل عليه رجل وبيده منديل فيه نعل فقال: يا أمير المؤمنين هذه نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهديتها لك فأخذها منه وقبلها ووضعها على عينيه وأعطاه عشرة آلاف درهم فلما خرج قال لجلسائه: ما ترون أني أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرها فضلاً عن أن يكون لبسها، ولو كذبناه لقال للناس: أتيتُ أمير المؤمنين بنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فردها علي، وكان من يصدقه أكثر ممن يكذبه، إذ كان من شأن العامة الميل إلى أشكالها والنصرة للضعيف على القوي وإن كان ظالمًا، فاشترينا لسانه، وقبلنا هديته، وصدقناه قوله، وكان الذي فعلناه أرجح وأنجح». انتهى23. كان بعضهم يحذو على النعل الشريفة نعلًا يحفظها ليحذو عليها غيره، وبعضهم يجعل المثال مخطوطًا على الورق. ذكر المقري أنه رأى في بعض الروايات أن الذي خلف طلحة على أم كلثوم هو عبد الرحمن، والذي تبين له أنه ابنه عبد الله لأدلة ذكرها. في كتاب منادمة الأطلال ومسامرة الخيال في مدارس دمشق ومساجدها لعصرينا العلامة عبد القادر بن أحمد مصطفى الشهير بابن بدران المتوفى بدمشق في ربيع الثاني سنة ١٣٤٦ أن المدرسة الأشرفية المذكورة باقية إلى اليوم في أوائل سوق العصرونية من الجانب الغربي، وقد وصف حالتها التي هي عليها الآن وما جدد بها وذكر أنه كان يسكن بها في غرفة علوية أثناء طلبه للعلم وألف بها بعض كتبه، وفي وفيات الأعيان لابن خلكان أن الملك الأشرف المذكور ولد سنة ٥٧٨ وأول شيء ملكه أمرها سيره إليها والده ثم ملك حران وغيرها، ولما توفي أخوه المعظم وقام بعده ولده الناصر داوود ملك الأشرف منه دمشق وجعلها مقر ملكه وبنى بها دار الحديث وتوفي بها سنة ٦٣٥ وكان ملكاً حليماً كريم الأخلاق محباً لأهل الخير والصلاح ميموناً مؤيداً في الحروب. الراجح أنه الملقب بالنظام نفسه فسيأتي أن اسمه أحمد وأنه ولد سنة ٥٦٠ وتوفي سنة ٦٢٥. في نسخة: ومقارنة. راجعنا هذه الترجمة في نسخة تاريخ ابن عساكر التي عندنا فلم نجد فيها ذكراً للنعل الشريفة والنسخة كثيرة السقط والتحريف لا يعول على ما فيها، وبها أيضاً اختلاف في نسب عبد الرحمن المذكور عما ذكره المقري فإنه بها (عبد الرحمن بن عبد الله بن الحسن بن أحمد) إلخ بإسقاط القاسم وبإسقاط عبد الله الذي بعد الحسن وهو الموافق لما في نسخة مخطوطة عندنا في الإصابة للحافظ ابن حجر في ترجمة جده الأعلى سليمان المعروف بأبي الحديد ولكن جاء في نسخة أخرى مخطوطة عندنا أيضًا في الإصابة والنسخة المطبوعة بمطبعة السعادة بالقاهرة (عبيد الله) بدل عبد الله وليحقق هذا النسب. هو محمد بن عمر بن محمد المعروف بابن رشيد مصغر رشد كما في شرح العلامة الزرقاني على المواهب اللدنية للقسطلاني وله ترجمة في الدرر الكامنة وبغية الوعاة وشذرات الذهب وكانت ولادته سنة ٦٥٧ ووفاته بفاس سنة ٧٢١. والذي في شرح الزرقاني على المواهب ٧٣١ ورحلته المذكورة في ست مجلدات. أول من وصلت إليه منهم جدهم الأعلى سليمان السلمي المعروف بأبي الحديد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جاء في ترجمته في الإصابة للحافظ ابن حجر أن بنيه ورثوها عنه إلى أن وصلت إلى آخرهم أحمد بن عثمان المتوفى سنة ٦٢٥ ثم صارت للملك الأشرف فجعلها في الأشرفية بدمشق. قال وقد ذكرها الذهبي وغيره ويعبرون عنهم بالأثر الشريف. في نسخة (فيها) بمثناة تحتية. هو أمين الدين محمد بن علي بن الحسن الشهير بالأنفي بفتح الهمزة والنون وكسر الفاء المتوفى سنة ٧٨٦ (لحظ الألحاظ لابن فهد ص١٦٧–١٦٨ من مجموعة ذيول الحفاظ وشذرات الذهب ص ٥٩٦ ج ٣). مدرسة كانت بدمشق مشتركة بين الشافعية والحنفية أنشأتها السيدة عائشة جدة فارس الدين بن دماغ سنة ٦٣٨ وهي زوجة شجاع الدين محمود بن دماغ العادلي، وقد زالت هذه المدرسة وأقيم الآن في موضعها مصنع لعمل النشا ودار للسكنى كما في منادمة الأطلال لابن بدران. اختصر فيه كتاب تنبيه الطالب وإرشاد الدارس لما في دمشق من الجوامع والربط والمدارس لمحيي الدين عبد القادر العليمي المتوفى سنة ٩٢٧. كان من أمراء دولة الناصر محمد بن قلاوون، وتولى نيابة دمشق وأنشأ بها جامعاً ثم أشيع أنه يريد العبور إلى بلاد التتار فتنكّر له الناصر وقبض عليه وحمل إلى الإسكندرية فقتل سنة ٧٤١، ثم نقلت جثته سنة ٧٤٣ إلى دمشق ودفن بجوار جامعه بشفاعة ابنته واستولى الناصر على شيء كثير مما خلفه من المال والجواهر والثياب المطرزة وغير ذلك. في معجم البلدان لياقوت: «صقلية بثلاث كسرات وتشديد اللام والياء أيضًا مشددة». انتهى فتخفف الناظم ياءها هنا للوزن. أحد قسمي فاس لأن الإمام إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم المولود سنة ١٧٧ والمتوفى سنة ٢١٣ لما أراد إحداث فاس جعلها مدينتين متصلتين إحداهما عدوة الأندلسيين وكان تأسيسها سنة ١٩٢ والثانية عدوة القرويين وكان تأسيسها سنة ١٩٣ وسميت عدوة الأندلس بمن نزلها من الأندلسيين الذين أجلاهم الحكم بن هشام عن الأندلس وسميت عدوة القرويين لأن أول من نزل بها مع الإمام إدريس ثمانية بيوتات من أهل القيروان. انتهى مستفاداً من كتاب جذوة الاقتباس ص ٩–٢١، ٩٥–٩٦ وغيره. قوله: المقيس هو بضم فكسر اسم فاعل من أقاس، وكذلك ما جاء بعده في عبارةنشر المثاني من قوله (مقاس) أي بصيغة اسم المفعول من أقاس أيضًا، وكلاهما سبق قلم؛ لأن المعروف في اللغة قاس واسم الفاعل منه قائس هو بضم أوله واسم المفعول مقيس بفتح فكسر وأصله مقيوس على ما هو مقرر في التصريف. لم نعثر على هذا النقل في ترجمة الشيخ محمد بن عبد الرحمن الفاسي المتوفى سنة ١١٣٤ في نسخة نشر المثاني المطبوعة على الحجر بفاس سنة ١٣١٠ ولا في ترجمة والده الشيخ عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي المتوفى سنة ١٠٩٦، فلعله سقط من هذه النسخة. كذا ولعل الصواب (بشاهده العدل) وقد نقلنا الأبيات كما وردت ولا يخفى ما فيها من الضرورات في الوزن. لعله (دار بمصود) بحذف التاء لضرورة الوزن. في الأصل (ولثمته) والنعل كما لا يخفى مؤنثه. تقدم لنا نقل هذه الأبيات عن فتح المتعال للمقري وبها في هذا البيت (لازمها) مكان ألزمها وهو أوضح معنى. لعله كوم من الطيب كمسحوق الصندل ونحوه. هذا الفصل الخاص بالنعال النبوية وجدت أصوله بخط المؤلف المرحوم تيمور باشا ======================================================= الخـــــــــــاتمة 

 وجدت بين مخلفات المؤلف أوراق شتى هي بعض المذكرات والتعليقات التي عوَّل عليها في كتابة تلك الفصول قبل أن ينشر أكثرها في مجلة الهداية الإسلامية سنة ١٣٤٨ هـ ، وقد عثرنا بين هذه الأوراق بورقة كتب فيها المؤلف هذه الأسطر ، فإذا هي خير خاتمة لتلك الفصول النفيسة في الآثار النبوية: «ليس في هذه الآثار ولا فيما أوردناه عنها من النصوص ما يبعث على الاسترابة في نسبتها إلى المقام النبوي الكريم، ولا يخفى أن كل شيء محتمل للصَّحة إذا لم يلمز بطعن أو يحفّ بشبهة واستفاضت به الأخبار كان حقيقاً بأن تطمئنّ إليه النفوس وتتلقاه بالقبول، ولاسيمَّا إذا كان أثراً منسوباً إليه صلى الله عليه وسلم لا تؤمن فيه مغبة الشك والإنكار. ولهذا رأينا ذوي الحيطة من السلف ومن ائتم بهديهم في كل جيل يتحرجون عن المجازفة بالإنكار في مثل هذه الآثار، ويرون السلامة في قبولها والتسليم بها ما لم يمنع مانع». 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج10. تاريخ الطبري/الجزء العاشر

تاريخ الطبري/الجزء العاشر  بسم الله الرحمن الرحيم ثم دخلت سنة إحدى وسبعين ومائتين وأولها يوم الاثنين للتاسع والعشرين من حزيران، ولخم...